للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢-٣-٢- تحديد وقت انعقاد العقد:

إن تحديد مكان انعقاد العقد في التعاقد بين الحاضرين لا يحظى بأهمية توجب دراسة تحديد مكان ووقت انعقاد العقد كل منها على حدة ولهذا سيقتصر حديثنا هنا على تحديد وقت انعقاد العقد.

إلا أنه يجدر بنا الإلمام بمسألة صدور الإيجاب والقبول في وقت واحد إلمامًا سريعًا قبل الانتقال إلى أساس الموضوع وذلك حفاظًا على وحدة الفكرة في هذا الموضوع.

لقد ورد في كتب الأحناف رأيان مختلفان في انعقاد العقد بالنسبة لحالة صدور الإيجاب والقبول بآن واحد: الرأي الأول يقول – حسب عبارة ابن نجيم -: (ولو صدر الإيجاب والقبول معًا صح البيع كما في التتارخانية) . (١) . أما الرأي الثاني – وهو المروي عن القهستاني – فيفهم منه أن العقد لا ينعقد في هذه الحالة (٢) . ويرى شارح المجلة الأحكام العدلية علي حيدر أفندي أن المجلة اختارت الرأي السلبي في هذه المسألة (٣) .

ويلاحظ أن الدكتور محمصاني يرى الرأي الإيجابي معقولًا يتفق ومبدأ الرضا في العقود إلا أنه يصف هذا الخلاف بأنه نظري في الواقع قائلًا: (لأنه يصعب بل يندر جدًّا أن يحصل الإيجاب والقبول بآن واحد...) (٤) . ولكن يمكن القول بأن هذه المسألة تكتسب أهمية لا يستهان بها في يومنا هذا. لأن هذه الحالة يمكن تصورها في الواقع فيما إذا قام صاحبا مؤسستين تجاريتين أو النائبان الشرعيَّان لشركتين بتوقيع نسختي العقد بآنٍ واحد مثلًا، مع أن عملية التوقيع تبقى عبارة عن إكمال الشكليات في بعض الحالات نظرًا لتمام العقد في المرحلة التي سبقت هذه العملية. أما في المثال التالي يمكن تصور هذه المسألة بوضوح أكثر: إذا قام كاتب العدل بتحضير العقد وعرضه على كل من طرفي العقد ويسألهما هل يقبلان هذا العقد أم لا، فإذا كان رد كليهما بالقبول فإن العقد ينعقد بآن واحد (٥) .

وبالرغم من أن بعض العلماء في الفقه الإسلامي يميلون إلى حصر جواز التعاقد بالكتابة في التعاقد بين الغائبين (٦) . فإننا نرجح – إزاء ظروف وقتنا الحاضر – الرأي القائل بتجويز الكتابة في التعاقد بين الحاضرين أيضًا والرأي القائل بانعقاد العقد في وقت واحد، آخذين بعين الاعتبار آراء وتحاليل الفقهاء سواء في هذه المسألة أو مسألة إشارة وكتابة الأخرس وكذلك مسألة التعاطي.


(١) ابن نجيم، البحر الرائق، ٥/٢٨٨.
(٢) ابن عابدين (محمد أمين) ، حاشية منحة الخالق على البحر الرائق لابن نجيم، بيروت، ط. دار المعرفة بالأوفست، ٥/٢٨٨.
(٣) علي حيدر أفندي، درر الحكام شرح مجلة الأحكام، إستانبول، ١٣١٣هـ. (باللغة العثمانية) ، المادة: (١٦٧) ١/٤٥٧.
(٤) محمصاني، النظرية العامة، ٢/٣٨.
(٥) لبعض التطبيقات في هذا الموضوع في الوقت الحاضر انظر: ENGEL (Peirre) ، Traite des Obligations en Droit Suisse، Neuchatel، ١٩٧٣، P.١٤٨ نقلًا عن: EREN (Fikret) ، Borclar، Hukuku/Genel Hukumler، Ankara، ١٩٨٥، p. ٢٨٦.
(٦) انظر للآراء في هذا الموضوع ولأدلتها ومناقشتها: القره داغي، مبدأ الرضا، ٢/٩٤١-٩٤٩ وينظر لوجهة نظر الفقهاء الشافعية خاصة: النووي، المجموع، ٩/١٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>