للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

-٣-

مسائل التعاقد بين الغائبين يستخدم د. السنهوري (عبد الرزاق أحمد) عبارة التعاقد بالمراسلة أو فيما بين الغائبين في مقال: contrat par correspondence، ou entre absents نظرية العقد (الجزء الأول من النظرية العامة للالتزامات) ، بيروت، ط. المجمع العلمي العربي الإسلامي، (الطبعة الأساسية: مطبعة دار الكتب المصرية، ١٣٥٣هـ/ ١٩٣٤م) ص ٢٨٨. ومن جهة أخرى يقول د. محمصاني- حينما ينتقد كلمة (المراسلة) الواردة في المادة ١٨٤ من قانون الموجبات والعقود اللبناني-: (الأصح أن يقال بالمكاتبة، لأن المراسلة هي المخاطبة بواسطة الرسول، كما جاء في الإصلاح العربي) ، ٢/٦٦ هامش٤.

التي لها صلة بموضوع البحث وأحكامها

٣-١- الإيجاب:

٣-١-١- ماهية الإيجاب:

يعد الإيجاب التعاقد بين الغائبين (تعبيرًا متلقًّى) (١) في الفقه الحنفي إجماعًا (٢) . ويتم تصوير هذا الأمر في كتب الأحناف كالتالي: لو قال رجل إني بعت متاعي هذا من فلان الغائب بكذا ثم بلغه هذا الخبر- دون إعلان الموجب إرادته للتبليغ- فقَبِل لا ينعقد العقد، ولكن إذا أعلن الموجب عن إرادته للتبليغ ثم بلغ الخبر للطرف الآخر فَقَبِل ينعقد سواء قام بالتبليغ من أمر به أو غيره (٣) .

أما الشافعية فلا يشترطون إعلان الرضا بالتبليغ ويقولون بأن العقد ينعقد إذا بلغ خبر الإيجاب الطرف الآخر فقبل، وإن لم يكن الموجب قد أعلن عن إرادته للتبليغ (٤)

ويلاحظ أن الدكتور الدريني فاتته أهمية التفرقة بين مفهومي (التعبير الملقي) و (التعبير المتلقي) حين انتقد الرأي الحنفي وتعجب منه، إذ يقول: (وأرجح قول الشافعية.. ولا أرى وجهًا لاشتراط الأمر بالتبليغ، لأن البائع إذا كان قد أعلن عن رضاه بالبيع لشخص معين فما الفرق بين أن يبلغه هذا الإيجاب بأمر الموجب بالتبليغ أو بغير أمره، وبخاصة أن الحنفية أجازوا أن يقوم بالتبيلغ المأمور به أو غيره؟) (٥) وكذلك يبدو أن الدكتور الإبراهيم لم ينتبه إلى هذه النقطة الدقيقة أثناء التعبير عن ترجيحه للرأي الشافعي الإبراهيم (محمد عقلة) ، (حكم إجراء العقود بوسائل الاتصال الحديثة/ الهاتف- البرق- التلكس في ضوء الشريعة والقانون، مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية (تصدر عن جامعة الكويت- كلية الشريعة والدراسات الإسلامية) ، السنة: ٣، العدد ٥ شوال، ١٤٠٦هـ/ يوليو ١٩٨٦م. ص١١٥. .

وقد سبق أن أشرنا إليه تحت عنوان (٢-١-١) أن الرأي القائل بتوجيه الإيجاب إلى الجمهور هو الراجح، ونكتفي هنا بأن هذا الرأي هو الأوفق لحاجات الناس وطبيعة جريان المعاملات في الوقت الحاضر بالنسبة للتعاقد بين الغائبين أيضًا.

كما سبق أن بينا في التعاقد بين الحاضرين (٢-١-١) أن دور الأجهزة الأتوماتيكية في إجراء بعض العقود يتمثل في إقامة الجهاز مقام أحد طرفي العقد (أو كليهما حسب الأوضاع المختلفة) . والذي ينبغي لنا أن نضيفه في هذا المقام هو أن هذه الطريقة يمكن استخدامها في التعاقد بين الغائبين أيضًا. وذلك إذا كان تقديم بعض الخدمات بين الغائبين عن طريق الجهاز الذي تستعمله المؤسسة التي تكون أحد طرفي العقد وليس عن طريق استخدام موظف ينوب عن هذه المؤسسة نحو بعض الخدمات التي تقدمها مؤسسات البريد والمواصلات.


(١) انظر لهذا المفهوم (٢-١-١) وهامش١٧.
(٢) السنهوري، مصادر الحق، ٢/٥٥، سوار، التعبير، ص ١٤٧.
(٣) الكاساني، بدائع الصنائع، ٥/١٣٩؛ ابن الهمام (كمال الدين) ، فتح القدير (شرح الهداية) ، بيروت، ط. دار إحياء التراث العربي بالأوفست، ٥/٤٦٢.
(٤) النووي، المجموع، ٩/١٦٧.
(٥) الدريني، التراضي، ص ٣٠٢-٣٠٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>