للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول د. السنهوري – في كلامه الذي ذكرناه مفصلا

-: (ولكنا مع ذلك نرى أن الفقهاء لم يواجهوا، في وجوب سماع الموجب للقبول، حالة التعاقد بين الغائبين مواجهة صريحة، وهم لم يواجهوا في ذلك إلا حالة التعاقد بين الحاضرين، ولو أنهم واجهوا الحالة الأولى كما واجهوا الحالة الثانية، لما كان بعيدًا أن تختلف الآراء فيها) (١) .

وينتقد د. سوار هذا الرأي قائلا: (فنحن نعتقد أن الفقهاء قد واجهوا شريطة السماع في حالة التعاقد بين غائبين مواجهة صريحة، أطلقوا على السماع في هذه الحالة تسمية السماع الحكمي، وقصروه على الإيجاب فقط وجعلوا قراءة الإيجاب من الموجب له بمنزلة سماعه مباشرة من الموجب) (٢) . ثم ينقل د. سوار نصوصًا فقهية لا تختلف اختلافًا كبيرًا في مضمونها عما أوردناه سابقًا من نصوص فقهية، أضف إلى ذلك أن النص الفقهي الذي يقول فيه د. سوار (ولعل أوضح نص يشير إلى مواجهة الفقهاء مواجهة صريحة..) لا يمكن اعتباره كافيًا لتمثيل موقف الفقهاء من هذه القضية لأن مؤلف الكتاب الذي ورد فيه هذا النص هو من علماء القرن العشرين.

ويبدو لنا أن د. سوار قد نظر إلى كلام د. السنهوري من منظار لفظي بحت لأن الرأي الذي أشار إليه د. سوار ليس مجهولًا عند د. السنهوري، وقد ذكر د. السنهوري نفسه نصوصًا فقهية في هذا المضمار. ونرى أن المقصود من كلام د. السنهوري في العبارة التالية: (لم يواجهوا مواجهة صريحة) يفهم بوضوح اكثر إذا تابعنا القراءة حيث نجد هذه العبارة: (ولو أنهم واجهوا ... لما كان بعيدًا أن تختلف الآراء فيها) . والحقيقة أن الفقهاء لم يواجهوا هذه القضية في إطارها التطبيقي من منظور زماننا الحاضر، ولم يولوا اهتمامًا كبيرًا لما قد يستجد من مسائل حول هذا النوع من التعاقد. وإذا وضعنا نصب أعيننا ما سبق من معلومات فإننا نجد أن عددًا من مسائل انعقاد العقد الدقيقة قد تناولها الفقهاء المسلمون في عهود مبكرة جدًّا في تاريخ الفقه الإسلامي وأبدوا فيها آراء مختلفة بالرغم من كونها مجهولة في القانون الروماني وعدم تناولها في الفقه الغربي إلا بعد القرن السابع عشر، ولو افترضنا – إزاء هذا الواقع – بأن الفقهاء المسلمين لم يبدوا آراء مختلفة في هذه القضية رغم مواجهتهم لها مواجهة صريحة ورغم وجود احتمالات منطقية مختلفة فإن هذه الفرضية التي افترضناها لا يتفق وطابع الفقه الإسلامي.

ولهذا نشارك رأي د. السنهوري من هذه الناحية. (وحتى يمكن القول بأن العبارات في كتب الفقه التي تخص التعاقد بين الغائبين تنصب على بيان جواز هذا النوع من التعاقد أكثر من أن تكون منصبة على دراسة المسائل الدقيقة له (٣) . ويمكن كذلك القول بأن بعض هذه العبارات تهدف أول ما تهدف إلى بيان ضرورة التفرقة بين بعض التصرفات مثل البيع والنكاح والخلع بالعوض في هذا النوع من التعاقد)


(١) السنهوري، مصادر الحق، ٢/٥٦.
(٢) سوار، التعبير، ص١٢٠-١٢٢.
(٣) الإبراهيم، (حكم إجراء العقود) ص١٢٦، وتأييدًا لهذه الفكرة يجب مراعاة وجود رأي قائل بعدم صحة التعاقد بين الغائبين في الفقه الشافعي.

<<  <  ج: ص:  >  >>