للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما في الفقه الإسلامي فإن حق الرجوع عن الإيجاب محدد بوقت وصول الإيجاب أو بوقت القبول كحد أقصى، حتى عند الفقهاء الأحناف الذين يقولون بأن الموجب له حق الرجوع عن إيجابه ولو لم يعلم المرسل إليه بهذا الرجوع (١) ، ومن جهة أخرى يحاول د. سوار أن يؤيد نظريته بالاستفادة من أحكام خيار المجلس وليس من المعقول- فيما يبدو لنا أن يحاول د. سوار أن يستفيد من الفكرة الأساسية التي يستند إليها حكم خيار المجلس، في الوقت الذي يعبر عن مخالفته لهذا الحكم مشيرًا إلى بعض مواطن الضعف له، مع أن النظرية التي يقترحها د. سوار لا تخلو من نقاط الضعف نفسها، إذ يقول: (لئن كنا ندعو إلى نظرية خيار الطريق وهي صورة مهذبة لنظرية خيار المجلس فنحن في نفس الوقت ننحاز إلى جانب نفاة هذه النظرية الأخيرة، نظرًا لإضعافها القوة الملزمة للعقد من جهة، وصعوبة تطبيقها في حالة التعاقد بين الغائبين من جهة أخرى) . سوار، التعبير، ص١٣٦ هامش٤.، ولكننا إذا أمعنا النظر في آراء من يقول بخيار المجلس نجد أن إمكانية الرجوع عن الإيجاب – حتى عند هؤلاء – محدد بوقت مفارقة المرسل إليه المجلس بعد صدور القبول، وفي هذا المعنى ورد في كتب الشافعية:: قال الغزالي في الفتاوى إذا صححنا البيع بالمكاتبة فكتب إليه ثبت له خيار المجلس ما دام في مجلس القبول. قال ويتمادى خيار الكاتب إلى أن ينقطع خيار المكتوب إليه حتى لو علم أنه رجع عن الإيجاب قبل مفارقة المكتوب إليه مجلسه صح رجوعه ولم ينعقد البيع ((٢) فبناءً على ذلك، إذا صدر القبول وفارق المرسل إليه المجلس فلا يمكن القول بعد ذلك بقيام حق الرجوع عن الإيجاب في أي من مذاهب الفقه الإسلامي.

كما يلاحظ أن د. سوار يظن – كما كان شأن بعض الباحثين الآخرين_ إن إعطاء الموجب حق الرجوع عن الإيجاب إلى وقت انعقاد العقد من المستلزمات الضرورية لنظرية العلم (كذلك النظريات الأخرى سوى نظرية الإعلان) ، ويحاول – انطلاقًا من هذا الفهم – أن يليِّن نظرية الإعلان بإعطاء حق الخيار لكل من الطرفين ريثما يصل القبول إلى علم أو متناول يد الموجب وذلك بعد الحكم بأن العقد قد انعقد منذ وقت الإعلان عن القبول. ولكن ليس من الصعب للباحث أن يتفطن إلى محاذير إعطاء الموجب حق الرجوع عن الإيجاب بعد صدور القبول وبعد الحكم بأن العقد قد انعقد سواء من الناحية النظرية أو العملية إذا أخذ بعين الاعتبار الفكرة الأساسية التي تعتمد عليها العقود اللازمة (٣) (وهذا بغض النظر عن حالات الاتفاق بالخاص التي يحمل الإيجاب فيها قيدًا احترازيًا في توسيع حق الرجوع عن الإيجاب كما أشرنا إليها تحت عنوان ٣-١-٢) .


(١) يصادف في كتب الأحناف بعبارات مثل: (ويصح رجوع الكاتب والمرسل عن الإيجاب الذي كتبه وأرسله قبل بلوغ الآخر وقبوله) . انظر مثلا: ابن الهمام، فتح القدير، ٥/٤٦٢.
(٢) النووي، المجموع، ٩/١٦٨.
(٣) (اعلم أن الأصل في العقد اللزوم، لأن العقد إنما شرع لتحصيل المقصود من المعقود به أو المعقود عليه ودفع الحاجة، فيناسب ذلك اللزوم دفعًا للحاجة وتحصيلًا للمقصود) القرافي (شهاب الدين) ، أنوار البروق في أنواء الفروق، بيروت، ط. دار المعرفة بالأوفست، الفرق السابع والمئتان، ٤/١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>