للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبعد أن نبهنا إلى ضرورة التمييز بين مفهومي (الإيجاب) و (الدعوة إلى الإيجاب) بينا أن كل تعبير يدل على أن صاحبه يريد به أن يلتزم به في حالة قبوله بما لا يدع مجالًا للشك – بأي طريق كان هذا التعبير (بالمواجهة الشخصية، بطريق الإعلان، بوسائل الاتصال، بوضع أجهزة أتوماتيكية) - يجب اعتباره (إيجابًا) .

وفي هذا النطاق أشرنا إلى أن الأجهزة الأتوماتيكية يمكن أن تقوم مقام أحد طرفي العقد (أو كليهما إذا كانت الظروف والإمكانيات مواتية لذلك) .

وقد قمنا بتوضيح أن الإيجاب يمكن الرجوع عنه - في الحالات العادية - إلى وقت القبول (وهذا هو الرأي السائد في الكتب الفقهية) ، غير أننا لاحظنا أن اشتراط علم الطرف المقابل بالرجوع عن الإيجاب لترتب الحكم على هذا الرجوع هو الأوفق لمبادئ الفقه الإسلامي (خلافًا لما ورد في كتب الأحناف) . ومن جهة أخرى، فإن الإيجاب الذي وصل إلى الطرف المقابل والذي يمنح له حق التأمل والتروي مدة معينة إما بالتصريح وإما بدلالة الحال أو طبيعة المعاملة، ارتأينا أنه من الأوفق لمبادئ الفقه الإسلامي اعتباره ملزمًا لصاحبه طيلة هذه المدة (خاصة في حالة تعيين ميعاد للقبول) ، ورجحنا بهذا الخصوص رأي جمهور المالكية.

٤- بعد أن ذكرنا أن خيار القبول هو الحكم المتفق عليه في الفقه الإسلامي، أشرنا إلى أن الحالات التي يمكن وصفها بأنها حالات (القبول الضمني) لا ينبغي تصورها بأن المخاطب أصبح ملزمًا بالقبول فيها.

وقد رأينا أن وقت القبول يتحدد بمدة قيام المجلس الذي تم فيه أداء الكتابة أو الرسالة إذا تصورنا التعاقد بين الغائبين محددًا بطريقتي (الكتابة) و (الرسالة) في إطاره التطبيقي من منظور ظروف وحاجات ذلك الزمن. ولكن التعاقد بين الغائبين في ظروف وقتنا الحاضر لا يتم حسب الطريقة التي كانت جارية في الأزمان السابقة، ولهذا توصلنا إلى نتيجة أن سد الحاجة في يومنا هذا لا يتحقق إلا إذا قلنا بإمكانية القبول في المدة التي يعتبر فيها الإيجاب ملزمًا على ضوء ما ذكرناه من رأي جمهور المالكية بهذا الخصوص.، وإذا تم قبول هذا الرأي ينبغي القول أيضًا بأن الإيجاب لا يعتبر ساقطًا في حالة رفضه من طرف المرسل إليه ما لم يصل خبر الرفض إلى الموجب.

ونبهنا إلى أن القبول يمكن الرجوع عنه إلى وقت انعقاد العقد على الصعيد النظري. وأما على الصعيد العملي فإن هذا الرجوع لا يمكن إذا حكمنا بأن العقد ينعقد بمجد الإعلان عن القبول أي إذا تبنينا نظرية الإعلان (سنبين رأينا في النظريات المتعلقة بتحديد وقت انعقاد العقد بعد قليل) .

<<  <  ج: ص:  >  >>