للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٥- رأينا أن ارتباط الإيجاب بالقبول حكمي (اعتباري) وليس حقيقيًّا سواء في التعاقد بين الحاضرين أو التعاقد بين الغائبين. أما اتحاد المجلس فهو مادي/ حقيقي (أي مرتبط بالمكان) في التعاقد بين الحاضرين، إن كان حكميًّا في التعاقد بين الغائبين ولكننا نوّهنا بكلام د. السنهوري الذي ينبه إلى ضرورة عدم الإغراق في التصوير المادي بالدرجة التي تؤدي إلى إهدار الغاية المقصودة من أحكام اتحاد المجلس.

وبما أن قيام الإيجاب إلى وقت القبول يحظى بأهمية بالغة في قبول تحقق هذا الارتباط فإننا رأينا من المناسب الإلمام بحالات الإيجاب إلمامًا سريعًا.

٦- وتحت عنوان (تحديد وقت انعقاد، العقد في التعاقد بين الغائبين) الذي يشكل أهم وأوسع جزء من بحثنا، قمنا بتلخيص النظريات الموجودة في هذا الموضوع، وموقف كل من التشريع الوضعي والكتب الفقهية القديمة منها، وكذلك آراء الباحثين المعاصرين في الفقه الإسلامي في هذا المضمار. وقد تبين لنا من خلال نقد هذه النظريات والآراء حولها:

- أن عددًا من الباحثين المعاصرين في الفقه الإسلامي (ومنهم من يتعرض للموضوع بصفة خاصة مثل د، القره داغي ود. الدريني ود. الإبراهيم) لم يحالفهم الصواب فيما ذكروه من معلومات حول اتجاه الفقه الحديث في هذا الموضوع، ولعلهم استندوا غالبًا إلى المراجع القديمة ولم تتح لهم فرصة دراسة الموضوع بشكل دقيق. وقد اكتفى هؤلاء المؤلفون وكذلك د. سوار –الذي تناول بشكل مفصل ووضع نظرية جديدة فيه- بالوقوف أمام نظريتي (الإعلان) و (العلم) دون التطرق إلى تقويم النظريات الأخرى.

-وقد قمنا بتثبيت أن هؤلاء المؤلفين (د. سوار، د. الإبراهيم، خاصة د. القره داغي) وقعوا في معضلة وهي: ظنهم بأن الانحياز إلى نظرية عدا نظرية الإعلان يستلزم بالضرورة إعطاء الموجب حق الرجوع عن إيجابه إلى وقت انعقاد العقد. وأثبتنا أن هذه الفكرة التي تأثر بها هؤلاء المؤلفون في ترجيحهم للمسألة، ليس صائبة وقمنا بتوضيح أن الغاية الأساسية من وضع هذه النظريات - بالدرجة الأولى - تنصب على وقت اكتساب القبول الصفة الإلزامية وبالتالي على وقت انعقاد العقد ولا تنصب على وقت اكتساب الإيجاب الصفة الإلزامية. وكذلك أشرنا إلى أن إلزامية الإيجاب أو عدم إلزاميته يمكن تعيينها بصورة ما في النظريات الأخرى عدا نظرية الإعلان. وعلى هذا فإنه يمكن في تلك النظريات تحديد حق الرجوع عن الإيجاب إلى وقت انعقاد العقد نظريًّا، إلا أنه يختلف الأمر على الصعيد العملي، إلى درجة أن الأنظمة القانونية التي تقول بعدم إلزامية الإيجاب –مبدئيًّا-، تميل إلى تحديد هذا الحق بوقت القبول أو تصديره كحد اقصى.

أما في الفقه الإسلامي فقد بينا أن حق الرجوع عن الإيجاب محدد بوقت القبول، وكذلك أنه محدد بانفضاض المجلس الذي صدر فيه القبول عند من يقول بخيار المجلس كحد أقصى. وعبرنا عن قناعتنا بأن نظرية (خيار الطريق) التي جاء بها د. سوار لا تليق بالترجيح، مشيرين في ذلك إلى هذا الحكم الوارد في الفقه الإسلامي وإلى بعض مواطن الضعف الأخرى التي تكتنف هذه النظرية.

<<  <  ج: ص:  >  >>