للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما دعوى الحاجة إلى ثالث فهي دعوى لا تنهض على حجة لأنّ هذا الثالث لا يملك شيئًا وغاية دوره أنه يتصرف نيابة عمَّن يملكها للزوج بعقدة النكاح، وعقدة النكاح لا ينحصر أثرها على البضع كما قال القرطبي، فلو كان منحصرًا على البضع لكان أيضًا من جانب الزوج منحصرًا على بضعه، والعلاقة بين الزوجين ليست منحصرة المجال في فرجيهما وإنّما مجالها يشمل جوانب شتى من حياتهما. وآية ذلك ما يترتب منها على الزوج من القوامة التي تعني الإنفاق والإسكان وما إلى ذلك من كفايات ضرورة الحياة، ومنها الحماية من العدوان وما يترتب منها على الزوجة من صيانة شرف الزوج وغيبته ورعاية ماله وبيته والامتناع عن مخالطة غيره ممّن ليسوا من أولي أرحامها وما إلى ذلك من ألوان التصون والتعفف، فوضح من هذا أن الولي –أيًّا كان- وهو الثالث الذي يقحمه البعض ويجعلون بيده عقدة النكاح ليس بأكثر من نائب عن الزوج القاصرة أو المحجور عليها في التصرف في نطاق محدود، وهذه النيابة لا تجعل شيئًا بيده نتيجة لها، فدوره بها ينتهي عند تمام إجراء ذلك التصرف المحدود وآية ذلك، أنه لا يملك تطليقها كما أن الزوجة نفسها لا تملك تطليق نفسها إلا في حالات قليلة كأن يجعل زوجها أمرها بيدها وهي حالات استثنائية لا تنبني عليها قاعدة عامة تصلح أساسًا لحكم دائم، والذي يملك الطلاق هو الذي يملك عقدة النكاح، لأن ملكيته لفسخها دليل حاسم على ملكيته أيضًا لإبرامها.

ولست أدري كيف غفل مالك –رحمه الله- وغيره ممن سبقه من بعض التابعين عن هذين الملحظين على وضوحهما، فذهبوا إلى القول بالطرف الثالث، فتأمل.

وحاول محمد الطاهر بن عاشور في [التحرير والتنوير: ٢/٤٦٣، ٤٦٤] على أن يدافع عما ذهب إليه من أن {الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} هو الولي – فقال:

وقوله: {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} ، استثناء من عموم الأحوال أي إلا في حالة عفوهن أي النساء بأن يسقطن هذا النصف، وتسمية هذا الإسقاط عفوًا ظاهرة لأن نصف المهر حق وجب على المطلق للمطلقة قبل البناء بما استخف بها أو بما أوحشها، فهو حق وجب لغرم ضُر فإسقاطه عفو لا محالة أو عند عفو {الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} و (أل) في النكاح للجنس وهو المتبادر في عقد نكاح المرأة لا في قبول الزوج وإن كان كلاهما مسمى عقدًا.

قلت: سبحان الله كيف يكون متبادرًا في تصرف أحد الطرفين دون الآخر، والعقد إنما يكون بين طرفين وكيف يكون عقد النكاح كاملا من جانب الزوجة وحدها دون اعتبار إبرامه من الرجل مع أن الرجل هو الذي يملك الطلاق فهو تلقائيًّا الذي يملك العقد؟!

<<  <  ج: ص:  >  >>