فهو غير النساء لا محالة لقوله:{الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} فهو ذكر، وهو غير المطلق أيضًا لأنه لو كان المطلق لقال: أو تعفو بالخطاب، لأن قبله {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} ولا داعي إلى خلاف يقتضي الظاهر. قلت: لو أعيد الخطاب إلى المراد بقوله {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} دون تعليل لإعادته إليه لقيل: أو تعفون إذ لا داعي لحذف نون الجمع، لكن التعليل هو الذي اقتضى العدول عن الإضمار إلى الإظهار، وحكمة التعليل هو تأكيد الندب فـ:{الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} هو الذي فسخها بالطلاق فوجب عليه نصف الصداق وندب بتأكيد له العفو، أي: التخلي عن النصف الآخر على اعتبار أنّ الأصل في عقد النكاح أداء المهر كاملا عند إبرامه وتأجيل بعضه ليس أصلا، وبناء على هذا الاعتبار كان تخلّي الزوج عن النصف الذي على المطلّقة أن تعيده إليه إذا وقع الطلاق قبل المساس عفوًا بالحقيقة لا بالمجاز.
ثم قال:
وقيل: جيء بالموصول تحريضًا على عفو المطلق لأنه كان بيده عقدة النكاح فأفاتها بالطلاق فكان جديرًا أن يعفو عن إمساك النصف ويترك لها جميع صداقها، وهو مردود بأنه لو أريد هذا المعنى لقال: أو يعفو الذي كان بيده عقدة النكاح.
قلت: لا يتّسق هذا القول مع قوله قبله [نفس المرجع: ص٤٦١] :
(فالطلاق فسخ لعقدة النكاح بمنزلة الإقالة في البيع، إلا أنه فسخ لم يشترط فيه رضا كلا المتعاقدين بل اكتفى برضا واحد وهو الزوج تسهيلا للفراق عند الاضطرار إليه، ومقتضى هذا الحكم أن يكون الطلاق قبل البناء بالمرأة ممنوعًا إذا لم تقع تجربة الأخلاق، لكن لما كان الداعي إلى الطلاق قبل البناء لا يكون إلا لسبب عظيم لأن أفعال العقلاء تصان عن العبث، كيف يعمد راغب في امرأة باذل لها ماله ونفسه إلى طلاقها قبل التعرف بها لولا أن قد علم من شأنها ما أزال رجاءه في معاشرتها فكان التخلص وقتئذ قبل التعارف أسهل منه بعد التعارف) .
وهذا القول منه ينبني على أنَّ الذي أوقع الطلاق هو الذي يملكه والذي يملك فسخ العقد هو الذي يملك العقد أي هو الذي بيده العقد وهو حالة فسخه العقد كان بيده، وبما أن الفسخ من عمله، اعتبر في الآية عندما ندب إلى التَّخلِّي عن حقه في نصف الصداق كما لو لم يكن قد فسخ العقد، لأنّ ابتداء وقت الندب كان عند ملكيته للعقد الذي فسخه، فأريد بهذا التعبير البليغ أن يقال للزوج {الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} ، عليك أن تعزم على العفو حال عزومك على الفسخ بحيث يكون العفو مقترنًا بالفسخ ويكون العزم عليهما واحدًا وذلك لا يتأتى إلا قبل وقوع الفسخ أي حال العزم عليه.
وهذا ملحظ دقيق لا ندري كيف غاب عن ذهن أستاذنا الجليل وهو أحد أئمة البيان العربي ومن صدورهم.