فتبين أن يكون أريد به ولي المرأة لأن بيده عقدة نكاحها، إذ لا ينعقد نكاحها إلا به، فإن كان المراد به الولي المجبر وهو الأب في ابنته البكر والسيد في أمته فكونه {بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} ظاهر إلا أنه جعل ذلك من صفته باعتبار ما كان إذا لا يحتمل غير ذلك.
قلت: ولا يحتمل هذا أيضًا لأنّ عقدة النكاح ليست بيده إنما الذي كان بيده قبل إبرامها هو إتمام إبرامها إمَّا أصالة في حال غير البالغة والمحجور عليها، أو نيابة وتأكيدًا للموافقة في حال غيرهما، وآية ذلك أنه لا يملك نقض ما أتمّ إبرامه أي فسخ النكاح لأن عقدته لا يملكها ولا تلك التي أبرم أصالة أو نيابة عنها والذي يملك الفسخ هو الذي يملك العقدة.
ثم قال:
وإن كان المراد مطلق الوليّ فكونه بيده عقدة النكاح من حيث توقف عقد المرأة على حضوره، وكان شأنهم أن يخطبوا الأولياء في ولاياهم، فالعفو في الموضعين حقيقة والإتصاف بالصلة مجاز. وهذا قول مالك إذ جعل في الموطأ {الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} ، هو الأب في ابنته البكر والسيد في أمته، وهو قول الشافعي في القديم فتكون الآية ذكرت عفو الرشيدة والمولَّى عليها، ونسب ما يقرب من هذا إلى جماعة من السلف منهم ابن عباس وعلقمة والحسن وقتادة.
قلت: وروي رجوع بعض هؤلاء عن هذا، ثم أننا لو جعلنا الولي هو {الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} لكان علينا أن نتساءل ألا يكون تصرفه بمثابة (الاقتداء) ، إذ إنَّ فيه معنى إرادة التخلص من هذا الزوج غير المرغوب فيه والذي وقع إنكاحه عن خطأ وسوء تقدير. ثم ماذا في التي زوجها قاضي المسلمين لامتناع وليِّها عن تزويجها من كفء رغبت فيه عضلا لها أو لسبب آخر من الأسباب، هل يكون له هو أيضًا أن يعفو عن نصف الصداق؟ وكيف يكون له ذلك إذا رفضت المطلقة عفوه؟ وكيف يكون لغيره من الأولياء إذا عفى ورفضت المطلقة الرشيدة المالكة أمرها عفوه؟ وما من أحد يقول بجواز التصرف في أموال الرشيدة لوليٍّ أيًّا كانت درجته بغير إذنها.
ثم قال:
وقيل:{الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} هو المطلق لأن بيده عقدُ نفسه وهو القبول.
قلت: الذي بيده هو الرغبة، أما القبول فهو بيد الزوج المخطوبة، والعقد ينبرم طبقًا لرغبته بقبولها وموافقة وليّها لا سيما إن كانت بكرًا أو غير مالكة أمرها.