ونسب هذا إلى علي وشريح وطاووس ومجاهد وهو قول أبي حنيفة والشافعي في الجديد، ومعنى {بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} أن بيده التصرف فيها بالإبقاء والفسخ في الطلاق، ومعنى عفوه تكميله الصداق أي إعطاؤه كاملًا.
قلت: بل إبقاءه كاملًا لأنّ المفروض – كما ألمعنا آنفًا- أن يتم تسديد الصداق كاملًا عند العقد وتأجيل بعضه استثناء مرخص به.
ثم قال:
وهذا قول بعيد من وجهين، أحدهما أن فعل المطلق حينئذ لا يسمى عفوًا بل تكميلًا وسماحة لأن معناه أن يدفع الصداق كاملًا، قال في (الكشاف) : وتسمية الزيادة على الحق عفوًا فيه نظر إلا أن يقال: كان الغالب عليهم أن يسوق إليها المهر عند التزوج فإذا طلقها استحق أن يطالبها بنصف الصداق، فإذا ترك فقد عفا أو سماه عفوًا على طريق المشاكلة.
قلت: وذلك الغالب في الأصل شرعًا فالتسمية حقيقة لا مشاكلة.
ثم قال:
الثاني: إن دفع المطلق المهر كاملًا للمطلقة إحسان لا يحتاج إلى تشريع مخصوص بخلاف عفو المرأة أو وليها، فقد يظن أحد أن المهر لما كان ركنًا من العقد لا يصح إسقاط شيء منه.
قلت: التشريع لا يعني الإيجاب وإنما يعني الندب وغيره أيضًا ويصرف إلى أحد معانيه بالقرينة والإحسان مما ندب إليه الشرع، وعفو {الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} إحسان إلى المطلقة وجبر لخاطرها، ولو لم يشرع الإحسان لما كان الإحسان.
ثم قال:
وقوله:{وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} تذييل أي العفو من حيث هو، ولذلك حذف المفعول والخطاب لجميع الأمة، وجيء بجمع المذكر للتغليب وليس خطابًا للمطلقين إلا لما شمل عفو النساء مع أنه كان مرغوبًا فيه.