للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: سبحان الله كيف يستقيم هذا التعليل مع قوله: وجيء بجمع المذكر للتغليب فيما معنى التغليب إذا لم يكن شاملًا عفو النساء، أقول هذا من حيث الشكل، أما من حيث الموضوع فلا أوافقه على هذا المعنى وإنما أميل إلى المعنى الذي يسوقه إذ يقول:

ومن الناس من استظهر بهذه الآية على أنّ المراد بـ: {الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} المطلق، لأنه عبر عنه بعد، لقوله: {وَأَنْ تَعْفُوا} وهو ظاهر في الذكر، وقد غفل عن موقع التذييل في آخر القرآن كقوله: {أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [سورة النساء: الآية١٢٨] .

قلت: بل لم يغفل من ذهب إلى هذا التأويل عن النسق القرآني من تذييل آية كالآية التي استشهد بها لأنّ وصف العفو بأنه أقرب للتقوى من صميم هذا النسق باعتباره تأكيدًا للندب تعليلًا له وتبيانًا لمناطه، فأين الغفلة في هذا؟ رحم الله أستاذنا ولكل جواد كبوة.

وقد أحسن أبو حيان، أجاد إذ قال في [البحر المحيط: ٢/٢٣٦] بعد أن عرض بإيجاز ما سبق أن نقلناه عن غيره من أقوال المتأولين وبين ترجيحه أن {الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} هو الزوج: ولو فرضنا أن قوله: {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} من المتشابه لوجب رده إلى المحكم. قال الله تعالى: {وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [سورة النساء: الآية٤] . وقال تعالى: {وَآَتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} [نفس السورة: الآية٢٠] . وقال {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا} الآية [سورة البقرة: الآية ٢٢٩] . فهذه الآية محكمة – كذا في النسخة المطبوعة ولعل الصواب: فهذه الآيات -تدل على أن الولي لا دخول له في شيء من أخذ مال الزوجة، ورجّح أيضًا أنه الزوج، أن عقدة النكاح كانت بيد الولي فصارت بيد الزوج، وأن العفو إنما يطلق على ملك الإنسان وعفو الولي عفو عما لا يملك وبأن قوله: {وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ} يدل على أن الفضل في هبة الإنسان مال نفسه لا مال غيره.

***

<<  <  ج: ص:  >  >>