وقال محمد الطاهر بن عاشور في [التحرير والتنوير: ٥/٧٤، ٧٦] :
والعقود جمع عقد- بفتح العين- وهو الالتزام الواقع بين جانبين في فعلٍ ما، وحقيقته أن العقد هو ربط الحبل العروة ونحوها، وشد الحبل نفسه أيضًا عقد، ثم استعمل في الالتزام فغلب استعماله حتى صار حقيقة عرفية.
ثم قال:
فالعقد في الأصل مصدر سمِّي به ما يعقد، وأطلق مجازًا على الالتزام من الجانبين لشيء ومقابله، والموضع المشدود من الحبل يسمى عقدة، وأطلق العقد أيضًا على الشيء المعقود إطلاقًا للمصدر على المفعول، فالعهود عقود والتحالف من العقود والتبايع والمؤاجرة ونحوها من العقود وهي المراد هنا، ودخل في ذلك الأحكام التي شرعها الله لنا لأنها كالعقود إذا قد التزمها الداخل في الإسلام ضمنًا وفيها عهد الله الذي أخذه على الناس أن يعبدوه ولا يشركون به.
ويقع العقد في اصطلاح الفقهاء على إنشاء تسليم أو تحمل من جانبين، فقد يكون إنشاء تسليم كالبيع بثمن ناضٍ، وقد يكون إنشاء تحمل كالإجارة بثمن ناضٍ، وكالتسليم والقراض، وقد يكون إنشاء تحمل من جانبين كالنكاح إذ المهر لم يعتبر عوضًا وإنما العوض هو تحمل كل من الزوجين حقوقًا للآخر، والعقود كلها تحتاج إلى إيجاب وقبول، والأمر بالإيفاء بالعقود يدل على وجوب ذلك فيتعين أن إيفاء العاقد بعقده حق عليه فلذلك يقضي به عليه لأنَّ العقود شرعت لسدّ حاجات الأمة، فهي من قسم الحاجي فيكون إتمامها حاجيًا لأنَّ مكمل كل قسم من أقسام المناسب الثلاثة يلحق بمكمله إن ضروريًّا أو حاجيًّا أو تحسينيًّا وفي الحديث:((المسلمون على شروطهم إلا شرطًا حرم حلالًا أو أحل حرامًا)) (١) .
فالعقود التي اعتبر الشرع في إنعقادها مجرد الصيغة تلزم بإتمام الصيغة أو ما يقوم مقامها كالنكاح والبيع.
(١) أخرجه البخاري تعليقًا فقال في [صحيحه: ٣/٥٢] : وقال النبي صلى الله عليه وسلم: المسلمون عند شروطهم.