والمراد بما يقوم مقام الصيغة نحو الإشارة للأبكم ونحو المعاطاة في البيوع.
والعقود التي اعتبرها الشرع في انعقادها الشروع فيها بعد الصيغة تلزم بالشروع كالجعل والقراض.
وتمييز جزئيات أحد النوعين من جزئيات الآخر مجال الاجتهاد.
وبعد أن نقل كلامًا للقرافي سيأتي في موضعه قال:
واعلم أن العقد قد ينعقد على اشتراط عدم اللزوم كبيع الخيار، فضبطه الفقهاء بمدة يحتاج على مثلها عادة في اختيار المبيع والتشاور في شأنه.
ومن العقود المأمور بالوفاء بها عقود المصالحات والهادنات في الحروب والتعاقد على نص المظلوم وكلُّ تعاقد وقع على غير أمر حرام، وقد أغنت أحكام الإسلام عن التعاقد في هذا إذا اصبح المسلمون كالجسد الواحد، فبقى الأمر متعلقًا بالإيفاء بالعقود المنعقدة في الجاهلية على نصر المظلوم ونحوه كحلف الفضول، وفي الحديث:((أوفوا بعقود الجاهلية ولا تحدثوا عقدًا في الإسلام)) (١) ، وبقى أيضًا ما تعاقد عليه المسلمون والمشركون كصلح الحديبية بين النبي صلى الله عليه وسلم وقريش، وقد رُوي ((أن فرات بن حيان العجلي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حلف الجاهلية فقال: لعلك تسأل عن حلف لجيم وتيم قال: نعم، قال: لا يزيده الإسلام إلا شدَّة)) .
قلت: - القائل محمد الطاهر بن عاشور-:
وهذا من أعظم ما عُرف به الإسلام بينهم في الوفاء لغير من يعتدي عليه.
(١) قال أحمد في [المسند، تحقيق شاكر، المجلد ٥، ج١٠، ص١٦٧، ١٦٨، ح ٦٦٩٢] : حدثنا يزيد، اخبرنا محمد بن إسحاق، عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده عبد الله بن عمرو. وساق الحديث بطوله وفيه: أنه ما كان من حلف في الجاهلية فإن الإسلام لم يزده إلا شدة ولا حلف في الإسلام.. الحديث. ثم قال [المجلد ٦، ج١١، ص١٣٢، ح ٦٩١٧] : حدثنا موسى بن داود، حدثنا ابن أبي الزناد، عبد الرحمن بن الحرث، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح يقول: كل حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة ولا حلف في الإسلام. ثم قال [نفس المرجع: ص ١٤٠، ١٤١، ح ٦٩٣٣] : حدثنا يزيد، أخبرنا حسين المعلم عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده. وساق الحديث طويلا يشبه في ألفاظه الحديث الأول في آخره: وأوفوا بحلف الجاهلية فإن الإسلام لم يزده إلا شدة ولا تحدثوا حلفًا في الإسلام ثم قال [ص١٧٤، ح٦٩٩٢] : حدثنا عبد الوهاب بن عطاء قال: حدثنا حسين المعلم، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: لما فتحت مكة على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:كفوا السلاح. فذكر نحو حديث يحيى ويزيد وقال فيه: وأوفوا بحلف الجاهلية فإن الإسلام لم يزده إلا شدة ولا تحدثوا حلفًا في الإسلام. ثم قال [ص١٨٧، ١٨٨، ح ٧٠١٢] : حدثنا إبراهيم بن أبي العباس وحسين بن محمد قالا: حدثنا عبد الرحمن، عن أبي الزناد، عن عبد الرحمن بن الحرث بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده وساق حديثًا فيه طول. وفيه أيها الناس كل حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة ولا حلف في الإسلام. وقال الترمذي في [الجامع الصحيح: ٤/١٦٤، ح ١٥٨٥] : حدثنا حميد بن مسعدة، حدثنا، يزيد بن زريع، حدثنا حسين المعلم، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته:أوفوا بحلف الجاهلية فإنه لا يزيده- يعني الإسلام- إلا شدة ولا تحدثوا حلفًا في الإسلام. وتعقبه بقوله: وفي الباب عن عبد الرحمن بن عوف وأم سلمة وجبير بن مطعم وأبي هريرة وابن عباس وقيس بن عاصم. ثم قال: هذا حديث حسن صحيح. وعن أبي عباس وجبير بن مطعم- رضي الله عنهم- روايات في هذا المعنى، انظر: [مسند أحمد، بتحقيق شاكر: المجلد٢، ج٤، ص ٣٢٥، ح٢٩١١، والمجلد٣، ج٥، ص١٩، ح٣٠٤٦] . و [مسلم في صحيحه: ٤/١٩٦١، ح٢٥٣٠] . و [صحيح ابن حبان علاء الدين الفارسي، الإحسان بترتيب صحيح ابن حيان: ٦/٢٨١، ٢٨٢، ح٤٣٥٥ و ٤٣٥٦ و٤٣٥٧] . و [البغوي في شرح السنة: ١٠/٢٠٢، ٢٠٣، ح٢٥٤٢] . و [البيهقي السنن الكبرى: ٦/٢٦٢. و٨/٢٢٩] .