صحيح أنَّ هناك قصة معاوية بن الحكم- وسندرجها بعد قليل – وهي تشبه هذه في مجمع ألفاظها، لكن تختلف عنها في بعض أوصاف الجارية كما سيتضح من رواياته المختلفة حين نسوقها.
وكلمة:(أشارت) لم ترد إلا في الرواية الأولى لأحمد من طريق أبي هريرة، وفي الرواية الثانية لأبي داود، وعند البيهقي عن طريقه، أما بقية الروايات ومنها التي جاء التصريح فيها بأن صاحب القصة هو الشريد الثقفي، فجاءت فيها كلمة (قالت) بدلًا من كلمة (أشارت) . وفي بعض منها مزيد من الأقوال يمكن أن يعتبر إدراجًا، على أن حديث الشريد في ثلاث روايات لأحمد وفي رواية لأبي داود والنسائي وابن حبان، نص على أنَّ أم الشريد أوصت بعتق رقبة، أما في غير هذه الروايات فالرجل غير المسمَّى جاء بالجارية السوداء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر أنَّ عليه عتق رقبة والجارية أعجمية، وبعضهم نسبهم بالتحديد أنها نوبية، ومع ذلك نقلوا عنها القول لا الإشارة. أليس هذا كله مما يصدق عليه وصف الاضطراب؟ (١) . ومن عجيب أن يعتبر أحد هذا الحديث (أوكد ما أوتي به من الإشارة) . ولعل هذا الاضطراب في السَّند والمتن هو الذي جعل الشيخين لا يخرجانه في صحيحهما، ولا ندري كيف أخرجه مالك في (الموطأ) إلا أن يكون لم يبلغ غير حديث الزهري أو ترجَّح عنده لثقته في حفظ الزهري رجحانًا جعله يخفى – في رواية يحيى بن يحيى – عما فيه من الإرسال إذا لم يكن يحيى غفل عما ضبطه الحسين بن الوليد من وصله كما جاء في تعقيب ابن عبد البر في (التمهيد) على رواية يحيى.
وقد يقال: إنَّ من روى بكلمة (قالت) بدلًا من كلمة (أشارت) اعتبر الإشارة بمثابة القول، وهذا تأكيد لما نذهب إليه من اعتبارها عند التعاقد في حكم القول، وهذه المقولة وجيهة يدعمها وصف الجارية بأنَّها أعجمية أو – بالتحديد – نوبية، وما كنا لنعتبر اختلاف الرواة بين كلمة (أشارت) وكلمة (قالت) اضطرابًا في المتن لولا اختلافهم – إن لم تكن القصَّة متعددة – في وصف الرجل صاحبها، فمنهم من سمَّاه الشريد وهو ثقفي وليس أنصاريًّا، ومنهم من نسبه إلى الأنصار ولم يسمِّه.
(١) قال النووي في [التقريب: ١/٢٦٢] : المضطرب هو الذي يروى على أوجه مختلفة متقاربة. وقال ابن حجر في [النكت على كتاب ابن الصلاح: ٢/٧٧٣] : الاضطراب هو الاختلاف الذي يؤثر قدحًا.