للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- فقرة ٨٦٦:

وذلك أنهما لا يكونان متبايعين حتى يعقدا البيع معًا، فلو كان البيع إذا عقداه لزم كل واحد منهما ما ضر البائع أن يبيعه رجل سلعة كسلعته أو غيرها. وقد تم بيعه لسلعته ولكنه لما كان لهما الخيار كان الرجل لو اشترى من رجل ثوبًا بعشرة دنانير فجاءه آخر فأعطاه مثله بسبعة دنانير أشبه بأن يفسخ البيع إذا كان له الخيار قبل أن يفارقه، ولعله يفسخه ثم لا يتم البيع بينه وبين بيعه الآخر، فيكون الآخر قد أفسد على البائع وعلى المشتري أو على أحدهما.

قلت: رحم الله الشافعي كيف وقع في هذا الاضطراب وهو اللغوي والفقيه، الضليع، فالحجة التي ساقها افتراضًا عليه وليست له، فلو كان التفرق الذي جعل حدًّا لبيع الخيار هو التفرق بالأجسام لا بالأقوال، ولو كان البيع الذي نهى أن يمارسه أحد على بيع أخيه هو البيع الذي تمَّ انعقاده فعلًا يتعذَّر أن يتمَّ التبايع بين متعايشين معًا في منزل واحد أو في سفر واحد أو في عمل واحد، والحجة التي ساقها الشافعي نراها دامغة لما ذهب إليه من اعتبار التفرق بالأبدان لا بالأقوال ومن اعتبار البيع لا يطلق إلا على ما تم فيه العقد، ولا يمكن إطلاقه على المساومة أو التراكن كما ذهب إليه مالك، إذ التبايع المحتمل فيه الاختيار دون إضرار بأي من الفريقين هو حال المساومة أو المراكنة، والتبايع الذي يمكن عمليًّا أن يتنافس فيه صاحبا سلعة واحدة هو هذه الحال أيضًا، ومناط في الصورتين كلتيهما واضح بين في غير تمحُّل فجعل كلا المتبايعين بعد عقد البيع في حالة خيار ما لم يتفرقا، يعني أنَّ عليهما إذا أراد إنهاء الخيار أن يتفرقا إجبارًا، وجعل بيع أحد على بيع أخيه هو الذي يكون بعد العقد، معناه أن العقد ليس بملزم وأنَّ المشتري يمكنه أن يفسخ البيع ما لم يفارق صاحبه، وفي هاتين الحالتين من الإضرار بكل من البائع والمشتري ما لا سبيل إلى إنكاره.

ثم قال الشافعي – رحمه الله – فقرة ٨٦٧] :

وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا يسوم أحدكم على سوم أخيه فإن كان ثابتًا – ولست أحفظه ثابتًا – فهو مثل ((لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه)) . لا يسوم على سومه إذا رضي البيع وأذن بأن يباع قبل البيع حتى لو بيع لزمه.

<<  <  ج: ص:  >  >>