للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم قال:

وقال الحافظ بن عبد الهادي: روي مرفوعًا عن أنس بإسناد ساقط والأصح وقفه على ابن مسعود.

حديث وائل عن ابن مسعود: (إنَّ الله نظر في قلوب العباد فاختار محمدًا صلى الله عليه وسلم، فبعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد فاختار له أصحابًا فجعلهم أنصار دينه ووزراء نبيه، فما رآه المسلمون حسنًا فهو – عند الله – حسن، وما رآه المسلمون قبيحًا فهو- عند الله – قبيح) . وقد استشهد به الرازي في [المحصول: ج١ القسم ٢ ص١٢٩، ١٣١] ، في السياق، الدليل الثالث عشر من أدلة الغزالي ومن شايعه من القائلين: إنَّ صيغة (افعل) حقيقة لما في الوجوب فقط، أو في الندب فقط، أو فيهما معًا بالاشتراك، لكنا لا ندري ما هو الحق من هذه الأقسام الثلاثة فلا جرم توقفنا في الكل.

وفي الدليل الثالث عشر هذا، أنَّ الأمر يفيد رجحان الوجود على العدم، وإذا كان كذلك وجب أن يكون مانعًا من الترك.

وإنما قلنا- يعني الغزالي ومن شايعه- أنَّه يفيد الرجحان لأن المأمور به إن لم تكن مصلحته راجحة لكان إما أن يكون خاليًا من المصلحة أو تكون مصلحته مرجوحة أو تكون مساوية للمفسدة.

فإن كان خاليًا من مصلحة كان محض المفسدة، فلا يجوز ورود الأمر به، وإن كان مصلحة مرجوحة فذلك القدر من المصلحة يصير معارضًا بمثله من المفسدة فيبقى القدر الزائد من المفسدة خاليًا من المعارض فيكون ورود الأمر به أمرًا بالمفسدة الخالصة فيعود إلى القسم الأول.

وإن كانت مصلحته معادلة للمفسدة كان ذلك عبثًا وهو غير لائق بالحكيم.

وإذا بطلت هذه الأقسام لم يبق إلا أن تكون مصلحة خالية من المفسدة وإن كان فيه شيء من المفاسد، ولكن تكون مصلحته زائدة وعلى التقديرين يثبت رجحان المصلحة.

وإذا ثبت هذا فنقول: وجب أن لا يرد الأمر بالترك لأنَّ الإذن في تفويت المصلحة الخالصة لأنه إذا وجدت مفسدة مرجوحة فتصير هي معارضة بما يعادلها من المصلحة فيبقى القدر الزائد من المصلحة الخاصة خالصة وإن لم توجد مفسدة أصلا كانت المصلحة خالصة فيكون الإذن في تفويته إذنًا في تفويت المصلحة الخالصة عن شوائب المفسدة وذلك غير جائز عرفًا فوجب أن لا تجوز شرعًا لقوله صلى الله عليه وسلم: ((ما رآه المسلمون حسنًا فهو – عند الله – حسن، وما رآه المسلمون قبيحًا فهو – عند الله – قبيح)) .

<<  <  ج: ص:  >  >>