للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنها ما يختلف في التعبير عن المقاصد فتنصرف العبارة عن معنى إلى عبادة أخرى – لعل الصواب: (إلى معنى عبارة أخرى) – أما بالنِّسبة إلى اختلاف الاسم كالعرب مع غيرهم أو بالنسبة إلى الأمة الواحدة كاختلاف العبارات بحسب اصطلاح أرباب الصناعة في صنائعهم مع اصطلاحهم الجمهوري أو بالنسبة إلى غلبة الاستعمال في بعض المعاني حتى صار ذلك اللفظ إنما يسبق منه إلى الفهم معنى ما، وقد كان يفهم منه قبل ذلك شيء آخر أو كان مشتركًا فاختص، وما أشبه ذلك. فالحكم أيضًا يتنزَّل على ما هو معتاد فيه بالنسبة إلى من أعتاده دون من لم يعتده وهذا المعنى يجري كثيرًا في الأيمان والعقود والطلاق كناية وتصريحًا.

ومنها ما يختلف في الأفعال في المعاملات ونحوها كما إذا كانت العادة في النكاح قبض الصداق قبل الدخول أو في البيع الفلاني أن يكون بالنقد لا بالنَّسيئة أو بالعكس أو إلى أجل كذا دون غيره، فالحكم أيضًا جار على ذلك حسبما هو مسطور في كتب الفقه.

ثم قال:

واعلم أن ما جرى ذكره هنا من اختلاف الأحكام عند اختلاف العوائد فليس في الحقيقة باختلاف في أصل الخطاب لأن الشَّرع موضوع على أنه دائم أبدي لو فرض بقاء الدنيا من غير نهاية، والتكليف كذلك لم يحتج في الشرع إلى مزيد وإنما الاختلاف أن العوائد إذا اختلفت رجعت كل عادة إلى أصل شرعي يحكم به عليها.

ثم قال:

العوائد الجارية ضرورية الاعتبار شرعًا كانت شرعية في أصلها أو غير شرعية، أي سواء كانت مقررة بالدليل شرعًا أمرًا أو نهيًا أو إذنًا أم لا. أما المقّررة بالدليل فأمر ظاهر، وأما غيرها فلا يستقيم إقامة التكليف إلا بذلك.

ثم قال:

ووجه ثانٍ وهو ما تقدم في مسألة العلم بالعاديات فإنه جارٍ هنا – وقد تقدم في الفقرة الأولى التي نقلناها آنفًا-.

ووجه ثالث: وهو أنه لما قطعنا بأنَّ الشارع جاء باعتبار المصالح، لزم القطع بأنه لا بد من اعتباره العوائد لأنه إذا كان التشريع على وزان واحد دل على جريان المصالح على ذلك لأنَّ أصل التشريع سبب المصالح، والتشريع دائم كما تقدم فالمصالح كذلك وهو معنى اعتباره العادات في التشريع.

<<  <  ج: ص:  >  >>