أريد أن أقسم حديثي إلى أمرين: الأمر الأول هي قضية منهجية لا بد من اتخاذ قرار فيها. ذلك أن إعداد المواضيع الفقهية في ما يتصل بالقانون المدني، يذكر فيها الفقه الإسلامي ويذكر فيها القانون المدني، وكثيرًا ما يرتبط هذا القانون بدولة الكاتب الذي يكتب. ونعلم بأن القانون المدني تأثر في كثير من البلدان الإسلامية بالقانون الفرنسي وتأثر بالفقه الإسلامي، ويتأثر أيضًا بما يعبر عنه بفقه القضاء والأحكام التي تحكم بها المحكمة العليا، ويتأثر في دول أخرى بالقانون الإنجليزي، ودخل القانون الألماني أيضًا كقوة فاعلة. فاعتقد أن الباحث إذا أراد أن يستدل بالقانون أو نجعل مقارنة بين الفقه الإسلامي وبين القانون، فليكن القانون عامًّا لا قانون البلد، خاصة وأن البلدان الإسلامية ليس لها قانون واحد، ومجلة الأحكام العدلية في ذاتها غير مطبقة فأعتقد أنه نقتصر في الدراسات الفقهية على ما جاء في الفقه الإسلامي دون تعرض إلى القوانين الوضعية التي هي غير متأثرة ١٠٠ % بالشريعة الإسلامية، ولكنها تتأثر بالشريعة الإسلامية وبغيرها.
الأمر الثاني فيما يخص موضوع اليوم. أعتقد أنه يكاد الاتفاق يكون تامًّا بين كل المناقشين على صحة التعاقد بهذه الوسائل الحديثة. وقد وقع التعرض إلى خيار المجلس، وأعتقد أن خيار المجلس – اعتمادًا على قول الرسول صلى الله عليه وسلم) ((البيعان بالخيار ما لم يتفرقا)) ها هنا لم يتحقق، بمعنى أن تحقيق المناط إذ أردنا أن نحقق، هذا المجلس هو غير موجود لأن قوله صلى الله عليه وسلم ((لم يتفرقا)) حمل إما على التفرق بالأقوال أو التفرق بالأبدان. والأبدان قد تفرقا بهما، وأحدهما بالمشرق والآخر بالمغرب، وأحدهما يعطي هذه اللحظة والآخر بعد زمن طويل، فقضية خيار المجلس هنا ينبغي أن لا يحدث لأن الوسائل الحديثة أحدثت لنا طريقة أو وضعًا غير موجود في الحديث ولا يدل عليه الحديث إلا بتمحص وبقياسات لا أعتقد أنه من الخير أن تعمم لأن في تعميمها مشاكل. وإذا تجاوزنا قضية خيار المجلس التي أقول إن الحديث لا يدل عليها وإن تحقيق مناط غير متحقق في هذا. فاعتبار الصيغة كيفما كانت في صحة العقد أمر متفق عليه بين الجميع واعتبار التتابع أو الموالاة في الإيجاب والقبول هو أمر قد تحقق في العقود حسب ما بينه الباحثون.
كلمة بسيطة بقيت وهي الجعالة، والجعالة هي عقد غير لازم ولو قبل الشخص، لأن الجعالة عقد غير لازم ولو كان في أثناء العمل وذلك ضمانًا لحقوق العامل وهذا معروف.
بقي الإيجاب والقبول بما يثبت؟ وطرق إثبات الإيجاب والقبول؟ وإذا وقع خطأ؟ هذه قضايا جزئية يتعرض إليها القضاء لفصل النزاع ولا يمكن لمجمع أن يصل إلى كل الحلول، لكننا نبحث في القضية وفي أصل المشكل وهو أن هذه معتبرة أو غير معتبرة.