للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

-٣-

الأحكام الشرعية لهذه الأوراق

(أ) السندات:

١- التكييف الفقهي للسندات:

من تعريف السند عند الاقتصاديين يتبين أنه إثبات خطي بدين ثابت لشخص في ذمة شخص آخر.

وهذه المسألة لا حرج فيها شرعًا، بل هي مطلوب بنص القرآن الكريم، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} الآية [سورة البقرة: الآية ٢٨٢] .

قال القرطبي – رحمه الله تعالى - (١) .:

ذهب بعض الناس إلى أن كتب الديون واجب على أربابها، فرض بهذه الآية، بيعًا كان أو قرضًا، لئلا يقع فيه نسيان أو جحود، وهو اختيار الطبري، وقال ابن جريج: من ادّان فليكتب، ومن باع فليشهد، وقال الشعبي: كانوا يرون أن (قوله فإن أمن) ناسخ لأمره بالكتب، وحكى نحوه ابن جريج، وقاله ابن زيد، وروي عن أبي سعيد الخدري. وذهب الربيع إلى أن ذلك واجب بهذه الألفاظ، ثم خففه الله تعالى بقوله: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} .

وقال الجمهور: الأمر بالكتب ندب إلى حفظ الأموال وإزالة الريب، وإذا كان الغريم تقيًّا فما يضره الكتاب، وإن كان غير ذلك فالكتاب ثقاف في دينه وحاجة صاحب الحق. قال بعضهم: إن أشهدت فحزم، وإن ائتمنت ففي حل وسعة. قال ابن عطية: وهذا هو القول الصحيح. ولا يترتب نسخ في هذا، لأن الله تعالى ندب إلى الكتاب فيما للمرء أن يهبه ويتركه بإجماع، فندبه إنما هو على جهة الحيطة للناس.

ولكن المحذور الشرعي يأتي من الفائدة التي يعطاها أصحاب السندات، فهي زيادة في قيمة القرض مقابل الأجل، وهي عين ربا النسيئة، وربا النسيئة محرم بالكتاب والسنَّة والإجماع (٢) .

ولا فرق بين أن تكون هذه الزيادة قليلة أو كثيرة، قال ابن قدامة – رحمه الله -: وكل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام – بغير خلاف -.

قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المسلف إذا شرط على المستسلف زيادة أو هدية، فأسلف على ذلك، إن أخذ الزيادة على ذلك ربا. وقد روي عن أُبَيّ بن كعب وابن عباس وابن مسعود أنهم نهوا عن قرض جر منفعة.

ولأنه عقد إرفاق وقربة، فإذا شرط فيه الزيادة أخرجه عن موضوعه، ولا فرق بين الزيادة في القدر أو في الصفة (٣) .


(١) الجامع: ٣/٣٨٣.
(٢) انظر: المغني: ٤/١٢٣.
(٣) المغني: ٤/٣٦٠، وانظر: الربا المحرم لإبراهيم بدوي: ص٢٠٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>