للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم أن القول باختلاف المطالع من لوازمه أن شهر رمضان الذي افترض الله على عباده صيامه بكماله انه ينتقل من بلد إلى بلد فيكون أول رمضان في إحدى الأقطار بالجمعة وفي القطر الثاني بالسبت وفي القطر الآخر بالأحد، وهذا لا يكون أبدا حتى ولو قدر وقوعه فعلا بناء على التثبت في الرؤية وعدم التثبت فيها ووقع الغيم في جهة والصحو في الجهة الأخرى، وغير ذلك من الأعذار المقتضية لاختلاف الناس في الدخول في الصيام والخروج منه، لكن الأمر الصحيح أن رمضان الذي افترض الله صومه على عباده هو معلوم العدد والحد تارة تسعا وعشرين وتارة ثلاثين ومعلومة حدوده في دخوله وخروجه، لا ينتقل أبدا، أما كون الناس يختلفون في التثبت في رؤيته وعدم التثبت، فإن هذا امر واقع ولا يغير شيئا من صفاته التى رتبها الله عليه في قوله: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ} .

فكما أنه لا يتغير من بلد إلى بلد في حالة مطلعه واستهلاله، فكذلك لا يتغير في كل قطر عن حالة إبداره فكل الدنيا تتفق على حالة الإبدار التي يعرفون بها هيجان البحر واضطرابه وانتفاخه في سائر الأقطار وذلك يوم ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة، وقد زعموا أن هذا الاضطراب وهيجان البحر أنه من تأثره بالقمر، والله أعلم، ومما يؤكد هذا، أن الصحابة – رضي الله عنهم – لما اتسعت فتوحهم الإسلامية وامتد سلطانهم على الأقطار الأجنبية، وكانوا هم الملوك والأمراء في مشارق الأرض ومغاربها وفي ممالك كسرى وقيصر وغيرها، فكانوا يتراسلون ويتساءلون عما يلزم من الأحكام وأمور الصيام وكان عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – يأمر أمراءه وعماله بأن يلقوه بموسم الحج بمكة كل عام فيسأل كل واحد منهم عن ولاية عمله وشئون بلده.

<<  <  ج: ص:  >  >>