للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالنسبة للنقطة الأولى، فإن تأجيل دفع الثمن يحول العقد على بيع غير جائز هو بيع الدين بالدين، فقد ذكر ابن القيم رحمه الله: (.. ولهذا سمي سلما لتسليم الثمن فإذا أخر الثمن دخل في حكم الكالئ بالكالئ) (إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم: ٢/٢٠) ولا يجوز بيع السلم فيه، أي السلعة المؤجلة القبض الموصوفة في الذمة، قبل قبضها الفعلي واكتمال شروط الحيازة الشرعية فيها بالصفة الملائمة.

هل يغير وجود طرف ثالث في العقد من الأمر شيئا؟

من الملاحظ أن في المعاملة الموصوفة في أسواق المال والسلع طرف ثالث هو سلطة السوق. والعلاقة بين البائع والمشتري لا تتم مباشرة بل من خلال تلك السلطة. وهي تقدم الضمان لوفاء الطرفين بالتزامهما، كل واحد تجاه الآخر. (ربما يعقد هذا الضمان القضية، ويدخل في العقد تشعبات ليس هنا مكان الاستطراد فيها) فهل يؤثر هذا الضمان ووجود سلطة السوق المذكورة على موضوع تأجيل قبض الثمن؟ الأصل على أنه لا يجوز هذا التأجيل ومن أجازه لأيام (كالمالكية) إنما فعل ذلك باعتبار أن ما قارب الشيء أخذ حكمه فاعتبر هذا في حكم التعجيل، فإذا شرط فيه لأكثر من ثلاثة أيام فسد العقد. والذي لا يجوز هو تأجيل البدلين، كأن يكون رأس مال السلم مؤجلا كالسلعة بالموصوفة في الذمة حيث يفضي ذلك إلى بيع الكالئ بالكالئ. على أن مجرد عدم القبض في المجلس لا يعني التأجيل بالضرورة، لأن رأس المال حال فهو غير مؤجل وليس بنسيئة حتى لو لم يقبض فربما لا يفضي إلى بيع الدين بالدين. فإذا قبلنا أن عقد السلم بيع عادي أجيز قياسا لا استثناء أضحى في المسألة باب للتوسعة والله أعلم.

فإذا كانت هذه المعاملة من عقود السلم، ففي الموضوع مسألتان:

الأولى: أن الأسهم أوراق مالية وليس سلعا، فهل يجوز فيها السلم؟ الأرجح أنها إذا أخذت حكم السلع في البيع جاز فيها السلم. أما إذا أخذت حكم الديون لم يجز.

الثانية: هي أن السلم إنما يكون في سلعة موصوفة في الذمة ولا يجوز التعيين فيها فلا يجوز أن يسلم في ثمرة بستان بعينه لكونه لا يؤمن تلفه وانقطاعه، وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه أسلف إليه رجل من اليهود دنانير في تمر مسمى فقال اليهودي: من تمر حائط بني فلان؟ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((أما حائط بني فلان فلا، ولكن كيل مسمى إلى أجل مسمى)) رواه ابن ماجه. والذي عليه المعاملة الموصوفة في أسواق المال (إن كانت سلما) أن من أنواعها ما يكون فيه تعيين، فالسلع الموصوفة في الذمة (في مستقبليات الأسهم) هي أسهم شركة بعينها وليس أسهما موصوفة على أجل معلوم. على أن العلة في منع التعيُّن (وهي أنه لا يؤمن تلفه وانقطاعه) غير متصورة هنا لاستبعاد تعرض الشركة لحوائج مفاجئة تأتي على اسهم الشركة بالانقطاع إلا في حالات نادرة لا حكم لها.

<<  <  ج: ص:  >  >>