للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقول الإمام الشاطبي: النظر في مآلات الأفعال معتبر مقصود شرعا كانت الأفعال موافقة أو مخالفة، وذلك أن المجتهد لا يحكم على فعل من الأفعال الصادرة عن المكلفين بالإقدام أو بالإحجام إلا بعد نظره إلى ما يئول إليه ذلك الفعل، فقد يكون مشروعا لمصلحة فيه تستجلب أو لمفسدة تدرأ. ولكن له مآل على خلاف ما قصد منه. وقد يكون غير مشروع كمفسدة تنشأ عنه ومصلحة تندفع به ولكن له مآل على خلاف ذلك فإذا أطلق القول في الأول بالمشروعية فربما أدى استجلاب المصلحة فيه إلى مفسدة تساوي المصلحة وتزيد عليها. فيكون هذا مانعا من إطلاق القول بالمشروعية. فكذلك إذا أطلق القول الثاني بعد المشروعية ربما أدى استدعاء المفسدة إلى المصلحة تساوي أو تزيد، فلا يصح إطلاق القول بعدم المشروعية. وهو مجال للمجتهد صعب المورد إلا أنه عذب المذاق محمود الغب جار على مقاصد الشريعة (١) .

فهذه الأدلة والنظريات وغيرها تفيدنا- ولا شك – في مواجهة تحديات العصر ليظل تشريعنا مواكبا للواقع ومحققا سعادة الإنسان الدنيوية والأخروية، هذه السعادة التي عجزت مختلف الأنظمة عن تحقيقها.

وإني أغتنم فرصة هذا الجمع المبارك لأقترح تشكيل لجنة من ذوي الاختصاص في المجال الاقتصادي للقيام بدراسات مفصلة ومعمقة تتقدم باقتراحات للخروج بالمجتمعات الإسلامية من ورطة المعاملات التي من شأنها أن تصطدم وشريعتنا، وتعرض هذه الدراسات والمقترحات في مرحلة لاحقة على لجنة من الفقهاء المختصين في الشريعة الإسلامية ليعطوا نظرهم مراعين فيه المبادئ الشرعية وما تدعو إليه المصلحة العامة المقررة شرعا دون إغفال ما تتطلبه حالة الضرورة، لتكون اختياراتنا منبثقة من واقعنا ومطابقة لقواعد الشريعة ومقاصدها.

أما ما يتعلق بالعلاقات المالية فإن الفقه الإسلامي قد أولاها كثيرا من الأهمية وحقق علماؤها في جزئياتها بكتاباتهم القيمة واجتهاداتهم النيرة وفتاواهم الصحيحة، فأعطوا حلولا شرعية حسنة التوجيه مدعمة بالدليل.

وإن جهود أولئك الجهابذة الأعلام من علماء الملة الجديرة بالدراسات المستفيضة، ومناهجهم في البحث والاستنباط قمينة بتتبعها والنسج على منوالها.


(١) الموافقات: ٤/١٩٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>