للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهناك عقود حرمت في الأصل ثم استثنيت من التحريم مراعاة للمصلحة. وهي: المضاربة، وبيع النجس، والعرية، والمزارعة، والمغارسة، والمساقاة.

* أولا- المضاربة: (١) الفراض عند أهل المدينة، وصفته أن يسلم شخص ماله لعامل يعمل عنده ويكون الربح منهما على حسب ما دخلا عليه من النصف أو غيره بعد إخراج رأس المال.

وهو من حيث الحكم من العقود المحرمة في الأصل لما فيه من الغرر والإجارة المجهولة ولكنه استثنى فجاز ترخيصا من الشارع بشروط ستة مبسوطة في المطولات - لمراعاة مصلحة الطرفين، وبيانه أن هناك من لا مال له وفيه استعداد للعمل، وهناك على العكس والنقيض من له مال ولا استعداد له أن يعمل مع العلم بأنه مطالب بأن يستثمر ماله ولا يتركه جامدا.

أما عن أصلها من السنة فالذي صرح به الحفاظ أنه لم تثبت فيها شيء، مرفوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن جميع ما ورد فيها من آثار عن الصحابة- رضوان الله عليهم- وقد وقع - كما حكي غير واحد - إجماع من بعدهم على جوازها. وانظر تصريح الحافظ بما يخالف ما ذكر وأنها كانت ثابتة في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وأقرها وإلا لما جازت البتة، ورد صاحب الروضة الندية (٢) عليه، ورد رده بتعليق هامشي بها (٣) .

* ثانيا- بيع النجس: بيع عين النجاسة كالميتة والمتنجس غير القابل للتطهير كالزيت (٤) ممنوع على المشهور عند المالكية أما المتنجس القابل للتطهير كثوب تنجس فإنه يجوز بيعه لكن بشرط أن يبينه للمشتري ليدخل عليه. وإلا فبعد اطلاعه عليه يكون له الخيار في الرد وعدمه.

نعم رخص الفقهاء في بيع فضلات غير مأكول اللحم لضرورة الانتفاع به في فلاحة الأرض، ومعلوم أن الضرورة تبيح المحظور، وكما رخصوا فيها رخصوا كذلك في السقي بالماء المتنجس (٥) .

* ثالثا- العرية: وهي أن يهب صاحب بستان ثمر نخل أو شجرة دون أصلها ثم يشتريها المعري من المعرى له. وهي منشأة من المزابنة التي هي بيع رطب بيابس من جنسه والتي ورد النهي عنها في السنة لكن رخص للمعري أن يشتريها ممن عراها له بيابس دفعا لما يتضرر به من كثرة طرقه البستان ليقتطف الثمر.

ومن أحكامها أن للمعري أن يشتريها كمن وهبها له بخرصها ثمرا إذا توفرت شروط أربعة. ونلاحظ أن من بين الشروط الأربعة أن يعطيه الثمر عند الجذاذ لا نقدا ومعجلا (٦) وإلا لم يجز (٧) .


(١) عند العراقيين.
(٢) هو العلامة القنوجي النجاري.
(٣) الروضة: ٢/١٤١.
(٤) ابن خويز منداد من المالكية على القول بإمكان تطهيرها.
(٥) وهنا يقع التساؤل عن حكم ما يخرج مما ذكر من زروع، وخضر وفواكه. والمالكية على الجواز.
(٦) وبقيتها منه ما هو راجع لحال الثمر وهو بدو الصلاح وما هو راجع للمقدار وهو خمسة أوسق، وما هو من فصل الاتحاد في النوع بأن يكون الثمر من نوع ثمر العرية.
(٧) البداية لابن رشد: ٢/١٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>