للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدكتور أنس الزرقاء:

بسم الله الرحمن الرحيم:

ملاحظتي تتصل بالبند رقم (١) في الجزء الأول من هذا البند (محرمة شرعا إصدارا وتداولا باعتبارها قروضا ربوية) ، الحقيقة ينبغي أن تضاف عبارة إيضاحية، أظن لا اختلاف في أنها مقصودة ولكن من الخير أن يصرح بها، وهي عبارة (سواء أكانت الجهة المصدرة للسند خاصة أو عامة ترتبط بالدولة) ، هذا واضح مما تقدم من كلام، ولكن من الخير أن يذكر هنا حتى لا يكون أي التباس في الموضوع. لا نقول (حكومية) لأنه أحيانا هناك جهات ترتبط بالدولة ولا تعد جهات حكومية بالمعنى الضيق، مثل شركة تملكها الدولة أو مرفق عام. والأمر الآخر هناك وهم شائع، لدى ربما غير الاقتصاديين، بأن الدولة عندما تقترض فلعل دفعها للفوائد يكون أقل ضررا مما لو حصل الاقتراض فيما بين الأفراد ودفعوا فيما بينهم الربا. الحقيقة الاقتصادية هي عكس ذلك، إذا كان الربا محرما بين الأفراد، وهو بالطبع محرم، فإن ضرر الربا عندما تتلبس به الدولة أكبر بكثير وباختصار أقول:

١- إن الربا بين الأفراد لا يتعدى ضرره المباشر الفردين الذين يمارسانه، أما ربا الدولة فإنه يتعدى أثره لجميع المواطنين حتى الذين لا يشاركون في أي عملية ربوية، لأن الدولة إنما أموالها هي جيوب رعاياها، فهي عندما تقترض بالفائدة وتلتزم بسداد الفوائد، تلزم بطريق غير مباشر كل مواطن من مواطنيها أن يدفع الفوائد وأن يأكل الربا هذا من ناحية.

٢- إن المؤكد في العالم اليوم، انتشار الاقتراض من قبل الدول على نطاق واسع، على نحو يتزايد باضطراد ويؤدي –كأحد الأسباب الجوهرية- إلى مشكلات اقتصادية مستعصية. وأذكر على سبيل المثال قضية واحدة، أكثر ديون الدول النامية، التي تسمعون عنها اليوم، ما كان يمكن أن تصل الأزمة إلى هذه الشدة في وقتها الحاضر لو كان اقتراض الدولة بفائدة، واضح أنه ممنوع، أن هذا المنع ملتزم به، بالطبع أكثر الدول ليست مسلمة أصلا فلا تلتزم هذا المنع، بعبارة أخرى إن وجود إمكانية اقتراض الدولة بفائدة يشجعها على أن تنفق أكثر من مواردها المتاحة، وتنقل أعباء أعمالها إلى حكومات مقبلة ولأجيال مقبلة، ويطول شرح الأضرار والمشكلات المستعصية التي تنشأ عن ذلك. فاقتراض الدولة يولد نوعا من الإدمان الاقتصادي، مثل إدمان المخدرات تماما، فكلما لزم الاقتراض يسدد الاقتراض السابق. وخلاصة ما أريد أن أقوله بأن اقتراض الدولة بالربا هو إذا كان الربا بين الأفراد محرما – وهو بالطبع محرم- فإن اقتراض الدولة أشد خطرا وأوسع ضررا من ربا الأفراد.

<<  <  ج: ص:  >  >>