أما وقد تم حتى الآن زراعة كل شيء بشري في جسم الإنسان تقريباً من أطراف كالأيدي والأرجل ومن أعضاء كالقلب والرئة والكبد والعظام والبنكرياس والغدد ... إلخ. فإنه لم يبق ما لم يزرع إلا المخ، والطبيعي أن يكون تفكير البعض أنها الخطوة التالية.
إن هذه النظرة قد تبدو منطقية؛ فالمخ هو أحد أعضاء جسم الإنسان من الناحية التشريحية، ويقوم بوظائف نعرفها عندما يصاب بعض أجزائه بالتلف أو المرض أو تستأصل لوجود ورم بها.. ولكن هل هذه النظرة هي فعلاً منطقية؟
إننا نعرف أن من مبادىء زراعة الأعضاء أن العضو الذي ينقل لزراعته لا بد أن يكون عضواً سليما حياً لنقله مكان عضو تلف، ونعرف أيضاً أن وفاة الإنسان تكون لتلف مخه واستئصال مخ سليم من شخص هو قتل له لأن وفاة الإنسان الآن تعرف بوفاة المخ وتكون الترجمة الحرفية لهذا العمل إذن، هي: "قتل إنسان لنقل مخه لإنسان آخر متوفى.
ويمكننا إذن أن نقول إن الإنسان الحي هو الذي يملك مخاً حيًّا مهما تلف أحد أعضاء جسمه، فإن هذا العضو يمكن تعويضه بطريقة أو أخرى.. فمثلاً الكلية يمكن أن نستعاض عنها بجهاز كيميائي للغسيل الكلوي أو بزراعة كلية من متبرع وكلاهما يقوم مقام الكلية التي تلفت بدون أن يضار أحد ولو من الناحية النظرية، ولا يمكن أن يقال نفس الشيء عن المخ لأن الذي توفي بتلف مخه لا يمكن لبشر أن يبعثه بنقل مخ حي إليه، وما يقال عن زراعة المخ ما هو إلَّا من قبيل الخيال العلمي، وعلى الفرض الجدلي إذا أمكن نقل مخ من إنسان حي إلى إنسان متوفى، ففي هذه الحالة يقال: إن الجسد قد نقل إلى المخ وليس العكس.
ما هو المخ البشري وكيف يعمل؟
قبل أن نسترسل في هذا البحث يلزم لنا أساساً أن نعرف مكونات مخ الإنسان تشريحيًّا وما هو عمله حتى نتعرف على ما نتحدث عنه، ونتفق على تعريفات محددة، وما أسرده هنا هو مبادئ طبية معروفة في صورة مبسطة ومختصرة.