إن المخ الذي نتحدث عنه هو ليس فقط ذلك العضو الذي تحتويه الجمجمة، ولكن يدخل في تكوينه أيضاً أطراف أخرى متصلة به تكون جميعاً ما يعرف بالجهاز العصبي المركزي، فهي أساساً أجزاء منه، مثل شبكية العين والعصب البصري (الجزء المبصر من العين) ، وكذلك الأذن الداخلية والعصب السمعي (الجزء الذي يسمع من الأذن) ، وكذلك الخلايا الحساسة للروائح، ويصلها بالمخ عصب الشم وخلايا التذوق في اللسان والاتصال العصبي، وأيضاً النخاع الشوكي داخل الفقرات وجميع الأعصاب التي تتفرع منه والتي تجلب إحساس اللمس من سطح الجسم، وكذلك تنقل أوامر الحركة والتنفيذ إلى أجزاء الجسم المختلفة.
إن هذه الزوائد هي جزء لا يتجزأ من المخ تشريحياً ووظيفياً، فإذا انقطعت إحساسات النظر والسمع واللمس ... إلخ عن المخ، حتى مع بقاء المخ حياً، فإنه ينقطع عن العالم الخارجي، لا يعلم عنه شيئا وينعزل عنه ويصبح للجماد هو أقرب منه للإنسان، وكلنا يذكر معجزة الدكتور هيلين كلير، التي فقدت إحساس السمع والبصر منذ ولادتها، وكانت حاستا اللمس والشم عندها هي فقط التي تربطها بالعالم الخارجي.
كانت حياتها بهذا الأسلوب تشبه المعجزة، حيث كانت تعيش في عالم كله ظلام وصمت رهيب، وكان اللمس بأصابعها على وجوه الناس هو أسلوب التعرف عليهم، واللمس على حناجرهم وشفاههم هو أسلوب السمع لديها، وهو ما يشكل عظمة مقدرة هذه الإنسانة التي تمكنت برغم ذلك من الدراسة لتحصل على درجة الدكتوراه، فلو تصورنا أنها أيضاً فقدت حاسة اللمس، إذن لانقطعت كل اتصالاتها بالعالم الخارجي ككل، وأصبحت فعلاً أقرب للجماد من الإنسان.. إن هذه الزوائد الحسية- كما سبق وذكرنا- هي جزء أساسي من المخ كعضو، لا يستطيع أن يؤدي وظائفه بدونها.
أما عن المخ ذاته فهو عبارة عن نسيج هلامي ضعيف؛ ولذلك خلق الله له هذه العلبة العظيمة المسماة بالجمجمة ليحتمي بصلابتها مثلما تحتمي الحيوانات الرخوة داخل صدفات المحار.. بل إن المخ أيضاً يطفو داخل الجمجمة في السائل النخاعي المحيط به، فهو أقل منه كثافة مما يشكل زيادة في الحماية، وإن طبيعة تكوين هذا المخ الهلامي الذي لا يأخذ شكله الطبيعي إلا في وسط هذا السائل الذي يطفو فيه يشبه الحيتان تعيش في المياه العميقة، فإذا انحسر عنها الماء في المياه الضحلة فإنها لا تتحمل وزنها ويتفلطح شكلها وقد تهلك.