للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولو أن إجراء عمليات أخذ الأعضاء وزرعها، والاختبارات التي يكون محلها الجنين وأجزاء الإنسان، لو أن ذلك ضبط من حيث المراكز التي تقوم به، ومنع من ممارسته في غير هذه المراكز، وخصص لها من أجهزة الرقابة المكونة من أهل الشرع وأهل الاختصاص، وكان ذلك على مستوى مقبول من الجدية والشمول، لما وقعت تلك المفاسد الناشئة عن الاستغلال واساءة الاستعمال. كذلك يغلب على ظني أن تحريم مثل تلك التصرفات لن يحول دون تلك الممارسات الخاطئة.

وخلاصة الرأي في قيمة ما ذكر من مفاسد التصرفات محل البحث أن شيئاً منها لا يعدو مرتبة التحسينيات، وأن بعضها موهوم أو مبالغ فيه.

تلك هي قيمة المفاسد بحسب المعيار الأول، وأما بحسب المعيار الثاني، فإن الضرر في المفسدة الأولى وهي إتلاف الجنين وتفويت فرصة تكون الولد إنما يقع على الأبوين، والمفروض أنهما أذنا بذلك. والمفسدة الثانية تختص بالأم، وكذلك الثالثة. وأما المفسدة الرابعة في شقها الأول، وهي ما قيل من الإساءة إلى كرامة الآدمي بالتصرف في مادة جسده بالقطع والتشريح، فقد تقدم أنها مفسدة موهومة، ولا مجال لوصفها بالعموم أو بالخصوص. وكذلك هي في الشق الثاني منها، لما تقدم أنها لا تنشاً عن التصرف ذاته، وأنه يمكن الاحتياط لها وسد بابها أو التخفيف منها.

وزن المصالح:

المصالح التي ذكرها الأطباء لاستخدام الأجنة في زراعة الأعضاء في التجارب العلمية، والتي سبقت الإشارة إليها، يقع بعضها في رتبة الضرورات، وبعضها في رتبة الحاجيات، وبعضها في رتبة التحسينيات، وبعضها أقل من ذلك، ويقع في مرتبة الزينة أو مرتبة الفضول (١)

ومثال الأولى ما يذكرونه من علاج بعض الأمراض المستعصية الخطيرة، كبعض الأمر اض العصبية العويصة، مثل مرض الشلل الرعاشي (الباركنسونزم) ، ومرض الخرف المبكر (الزهايمر) ، ومرض رقص هنتنجتون (٢) ؛ فإن هذه الأمراض تسبب لأصحابها حرجاً عظيما، وتفسد عليهم حياتهم، وإن لم تفوتها بالكلية. وبالرغم من عدم إطلاعنا على التفصيلات الكافية لإبراز خطورة بعض الأمراض الأخرى التي يمكن معالجتها بأجزاء الأجنة المجهضة، كبعض الأمراض التي تصيب جهاز المناعة في الصغار، وبعض أنواع مرض السكري، وبعض أنواع الحروق، وغيرها، فإنا لا نستبعد أن تصل في خطورتها إلى مرتبة الضروريات، ولا نظن أنها تتدانى عن مرتبة الحاجيات.


(١) يقصد بمرتبة الزينة مرتبة التوسع في المشتهيات المباحة، كاشتهاء الأطعمة اللذيذة ولبس الأثواب الفاخرة، ويقصد بمرتبة الفضول التوسع بأكل الحرام أو اتخاذ ما فيه شبهة ذكر هاتين المرتبتين الزركشي في "المنثور في القواعد": ٢/٣١٩، ٣٢٠.
(٢) انظر بحث: "إجراء التجارب على الأجنة المجهضة " - محمد علي البار: ص ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>