صورة هذه الحالة أن يحدث تكوين الجنين خارج رحم الأم بتلقيح بيضتها في أنابيب الاختبار، ولا يوجد مانع واقعي أو شرعي يحول دون غرسه في رحم أمه، ليواصل تطوره.
والأصل في إتلاف هذه اللقيحة أو تركها حتى تفسد هو التحريم، ما دام الأمر كما افترضنا من عدم وجود المانع الذي يمنع من غرسها في الرحم، ولكن يمكن أن يرخص بإتلافها في سبيل تحصيل مصالح معتبرة؛ وذلك أن مفاسد إتلاف هذا الجنين تقل كثيراً عما ذكرنا من مفاسد تترتب على إسقاط الجنين في الصورة السابقة؛ فهو من جهة في أدق مراحله الإعدادية؛ لأنه في أبعد مدى عن زمن نفخ الروح. كما أن إتلافه لا يستلزم كشف العورات، ولا يتسبب بمعاناة جسدية للمرأة التي أخذت منها البيضة؛ وذلك على فرض أن عملية التلقيح الصناعي لم تجر خصيصاً لهذا الغرض، وإنما لغرض غرس اللقيحة في رحم المرأة صاحبة البيضة، ثم بدا لذوي اللقيحة أن يتبرعا بها لغرض الزراعة أو التجارب.
وفي الوقت ذاته، فإن أهل الاختصاص يذكرون أن طائفة من المصالح التي ذكرت في الصورة السابقة يمكن تحصيلها أيضاً باستخدام مثل هذا الجنين (١)
لذلك، فإن حكم التصرف فيها لهذا الغرض هو الجواز كما في الصورة السابقة، ما دامت المصالح التي يراد تحصيلها لا تقل عن مرتبة الحاجيات، ولا تتدانى إلى مرتبة التحسينيات أو مرتبة التزين والفضول. وذلك مع مراعاة القيود والشروط التي سنذكرها في المطلب التالي.
(١) انظر: بحث (البويضات الملقحة الزائدة عن الحاجة) للدكتور مأمون الحاج، منشور في الثبت الكامل لندوة "الرؤية الإسلامية لبعض الممارسات الطبية": ص ٤٥٢ - ٤٥٥.