للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهكذا فإن إباحة استخدام الأجنة مشروطة بهذا التدرج. وأصل هذا الشرط ما اتفق عليه العلماء من أن قاعدة الأخذ بأعظم المصلحتين مشروطة بعدم إمكان تحقيقهما جميعاً (١) وما اتفقوا عليه أيضاً من أن الضرورات والحاجات تقدر بقدرها إذا اقتضت مراعاتها ارتكاب فعل محرم في أصله (٢)

٣ - والشرط الثالث أن يكون استخدام الجنين بإذن أبويه ورضاهما كليهما.

وذلك لأن الجنين إذا كان في بطن أمه استلزم استخدامه الإضرار بها، وان كان ضرراً مؤقتاً يمكن استدراكه، فلا بد من إذنها، ولا بد من إذن والد الجنين أيضاً؟ لأن في ذلك تفويت فرصة تكون الولد له. ويستذكر هنا ما أشرنا إليه في المطلب السابق من أن حاجة الإنسان إلى الولد قد ترتفع إلى رتبة الضروريات إذا كان يرغب في تحقيقها، ولا يأذن بعفويتها، فإن أذن تدنت رتبتها.

وإذا كان الجنين حياً خارج الرحم، ولا مانع يمنع من غرسه فيه، فيشترط ذلك أيضاً لما ذكرنا من أهمية حاجة الإنسان إلى الولد إذا رغب فيه.

وإذا كان الجنين حياً خارج الرحم، ولا يمكن غرسه في رحم صاحبة البيضة، ويمكن في رحم غيرها؟ فلان هذا الإمكان يصلح لتكون خشية في نفس الأبوين من استغلال لقيحتهما وزراعتها في رحم امرأة أخرى، وتسرب نسلهما إلى غيرهما، فهذه مفسدة معتبرة، ولكنها دون ما ذكرنا من مفاسد الصورتين السابقتين.

غير أنه في هذه الحالة الأخيرة قد يتجاوز عن شرط الإذن إذا كان الأخذ من الجنين ضرورياً لتحقيق شفاء من مرض مستعص أو لإنقاذ آدمي من الهلاك؛ لأن الإذن في حالة الضرورة ليس بشرط إذا لم يكن المحظور المرتكب لدفعها، واقعاً في رتبة الضروريات أيضاً.

وكذلك لا يشترط الإذن إذا امتنع جميع الناس عن السماح بإجراء التجارب العلمية على لقائح لا فائدة منها لذويها؟ لأن تحقيق المصالح التي يذكرها الأطباء لهذه التجارب من باب فروض الكفاية بالنسبة للمجتمع، فيجب العمل لتحقيقها؛ فنلغى اعتبار الإذن فيما يقع من الحالات أولاً، فإن تحققت الكفاية به عاد الأمر إلى اعتبار الإذن لتحقيق المزيد من المعارف النافعة، وإلا بقي الحال على عدم اشتراطه حتى تتحقق الكفاية.


(١) قواعد الأحكام: ١/٩٨.
(٢) الأشباه والنظائر لابن نجيم: ص ٨٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>