شروطها: اشترط الفقهاء القائلون بالمصلحة المرسلة كمصدر للتشريع عدة شروط أجملها الشاطبي في ثلاثة: أحدها: الملاءمة لمقاصد الشرع بحيث لا تنافي أصلاً من أصوله ولا دليلاً من أدلته. الثاني: أن عامة النظر فيها إنما هو فيما عقل منها وجرى على المناسبات المعقولة التي إذا عرضت على العقول تلقتها بالقبول فلا مدخل لها في التعبدات وما يجري مجراها من الأمور الشرعية لأن عامة التعبدات لا يعقل لها معنى على التفصيل. والثالث: أن حاصل المصالح المرسلة يرجع إلى حفظ أمر ضروري ورفع حرج لازم في الدين. ويتبين من ذلك بأن القائلين بالمصلحة المرسلة كمصدر من مصادر التشريع الإسلامي قد اشترطوا لاعتبارها كذلك شروطاً، منها: أن يكون ذلك في مجال المعاملات لا العبادات، لأن هذه الأخيرة ثابتة لا تتغير فضلاً عن أنه لا يجوز إعمال العقل والفكر فيها؛ ومنها: أن يستهدف بناء التشريع على المصلحة جلب نفع أو دفع ضرر؛ ومنها: أن تكون المصلحة التي يشرع من أجلها حقيقة وكلية، ومن ثم تستبعد المصلحة المتوهمة وتستبعد الجزئية، فلا يشرع حكم بناء على مصلحة خاصة بفرد معين بغض النظر عن بقية الناس، بل لا بد أن تشمل المصلحة أكبر عدد من الناس فتجلب لهم النفع وتدفع عنهم الضرر؛ ومنها: إلا يعارض التشريع الذي بنى على المصلحة مقصداً من مقاصد الشريعة ولا دليلاً من أدلتها.
والمتتبع لأحكام الشريعة يجد أنها قد رتبت هذه المقاصد وما شرع لها من أحكام على أساس أن الضروريات تأتي في المرتبة الأولى ثم تليها الحاجيات ثم التحسينيات. وبالتالي ترتب على ذلك أن كل مصلحة تختلف درجة طلبها قوة وضعفا تبعاً لقوة وضعف ما تحققه من مقاصد بحسب موقعها من الأقسام الثلاثة سالفة الذكر، ويتدرج الحكم من الوجوب إلى الندب إلى الإباحة وكل فعل ينافي مقصداً من المقاصد الثلاثة يعتبر مفسدة ينهى عنها الشرع، وتتوقف درجة المنع على نوع المقصد الشرعي الذي تخل به ويتدرج الحكم من التحريم إلى الكراهية، ومن المعلوم أن كل فعل من أفعال الناس يتضمن تحقيق مصلحة أو وقوع مفسدة أن يحقق نفعا أو يجلب ضرراً واعتبار الفعل مشروعاً أو ممنوعاً يتوقف على رجحان نفعه أو ضرره. وتقدير ذلك متروك للشارع وليس لأهواء الناس ومقياس الصلاح والفساد يستفاد من قواعد الشريعة ومقاصدها.