للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٨ - وشرحه ابن رشد ببيان الروايات الثلاثة المذكورة (١) ولكن لم يذكر أحد منهم وجه الفرق بين القصاص والأرش، على الروايات التي تقول بسقوط الأرش دون القصاص عن الجاني بعد إعادة المجني عليه عضوه المقطوع. والذي يظهر لي - والله أعلم - أن القصاص إنما يجب في العمد جزاء للاعتداء القصدي من الجاني، عملاً بقوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} ، وبقوله تعالى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} ، وإن هذا الاعتداء واقع لا يزول بإعادة المجني عليه عضوه إلى محله، فلا يسقط القصاص في حال من الأحوال. أما الأرش، فإنما يجب في الخطأ الذي لا يتعمد فيه الجاني اعتداء على أحد، فليس الأرش إلا مكافأة للضرر الحاصل من فعله، واستدراكاً لما فات المجني عليه من العضو أو المنفعة، فإن عاد العضو بمنفعته الفطرية وجماله السابق، إنعدم ضرر المستوجب للأرش، فسقط الأرش.

٩ - ولكن الذي يظهر أن المختار عند المالكية عدم الفرق بين القصاص والأرش، حيث لا يسقط واحد منهما، هكذا ذكره خليل في مختصره، واختاره الدردير والدسوقي وغيرهما، وعلله الدردير بأن الموضحة إذا برئت من غير شين، فإنه لا يسقط الأرش، فكذلك الطرف إذا أعيد، فإنه لا يسقط أرشه مع كون كل منهما خطاً (٢)

مذهب الحنفية في المسألة:

١٠ - ثم الذي ذكر هذه المسألة بعد الإمام مالك، هو الإمام محمد بن الحسن الشيباني رحمه الله، فقال في كتابه "الأصل":

"وإذا قلع الرجل سن الرجل، فأخذ المقلوعة سنه فأثبتها في مكانها، فثبتت، وقد كان القلع خطاً، فعلى القالع أرش السن كاملاً، وكذلك الأذن " (٣)


(١) البيان والتحصيل لابن رشد: ١٦ /١٥٨و ١٥٩.
(٢) الدسوقي على الدر ير: ٤/٢٥٦ و ٢٧٨.
(٣) كتاب الأصل لمحمد بن الحسن الثيباني: ٤/٤٦٧، كتاب الديات.

<<  <  ج: ص:  >  >>