للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاختار محمد رحمه الله أن إعادة العضو لا يسقط الأرش عن الجاني. ثم أخذ عنه الفقهاء الحنفية فقال شمس الأئمة السرخسي رحمه الله:

"واذا قلع الرجل سن رجل خطأً، فأخذ المقلوع سنه، فأثبتها في مكانها فثبتت، فعلى القالع أرشها، لأنها وان ثبتت لا تصير كما كانت، ألا ترى أنها لا تتصل بعروقها؟.. وكذلك الأذن إذا أعادها إلى مكانها، لأنها لا تعود إلى ما كانت عليه في الأصل، وإن التصقت " (١)

وهنا علل السرخسي عدم سقوط الأرش بكون العضو لا يعود إلى حالته السابقة بعد الالتصاق، وفرع عليه المتأخرون أن "هذا إذا لم يعد إلى حالته الأولى بعد الثبات في المنفعة والجمال، والغالب أن لا يعود إلى تلك الحالة. وإذا تصور عود الجمال والمنفعة بالإثبات لم يكن على القالع شيء، كما لو نبتت السن المقلوع، كما ذكره الزيلعي وغيره عن شيخ الإسلام) . (٢)

١١ - ولكن المسألة عند الحنفية مفروضة في جناية الخطأ، كما رأيت في عبارة الإمام محمد والإمام السرخسي، ولهذا اكتفوا بذكر سقوط الأرش، ولم أجد في كتب الحنفية حكم العمد، وأنه هل يسقط القصاص عندهم فيه بإعادة العضو أولا؟ والظاهر أنه لا يسقط وإن أعاده المجني عليه إلى هيئته، وذلك لما ذكرنا في الحديث عن مذهب المالكية (فقرة ٨) من أن القصاص جزاء للاعتداء القصدي من الجاني، وهو واقع لا يزول بهذه الإعادة، فلما ذهب الحنفية إلى أن الأرش لا يسقط بها، فلأن لا يسقط بها القصاص أولى (٣)


(١) المبسوط للسرخسي: ٢٦/٩٨، والمسألة مذكورة أيضاً في الهداية وشروحها، راجع فتح القدير: ٩/٢٢٧، وبدائع الصنائع: ٧/٣١٥.
(٢) تبيين الحقائق للزيلعي: ٦/١٣٧، والبحر الرائق: ٨/٣٠٥، ورد المحتار لأبن عابدين: ٦/٥٨٥.
(٣) رد المحتار: ٦ /٥٨٥و ٥٨٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>