للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٢ - نعم، ذكر الحنفية أن القصاص يسقط فيما إذا ثبتت سن المجني عليه بنفسها، ولكن لا يقاس عليه مسألة زرع العضو وإعادته، وذلك لأمرين: الأول أن العضو المزروع لا يكون في قوة النابت بنفسه، والثاني: أن نبت السن بنفسها ربما يدل على أن السن الأولى لم يقلعها الجاني من أصلها، فتصير شبهة في وجوب القصاص، بخلاف ما أعيد بعملية، فإنه ليس في تلك القوة، ولا يدل على أن الجاني لم يستأصله. فالظاهر أن إعادة العضو من قبل المجني عليه لا يسقط القصاص عند الحنفية أيضاً كما لا يسقط عند المالكية.

مذهب الشافعية:

١٣ - ثم تكلم في المسألة الإمام الشافعي رحمه الله تعالى، فقال في كتاب الأم: " وإذا قطع الرجل أنف رجل أو أذنه أو قلع سنه فأبانه، ثم إن المقطوع ذلك منه ألصقه بدمه، أو خاط الأنف أو الأذن، أو ربط السن بذهب أو غيره، فثبت وسأل القود فله ذلك، لأنه وجب له القصاص بإبانته، (١)

وذكر النووي رحمه الله هذه المسألة في الروضة، فألحق بها مسألة الدية، فقال: "قطع أذن شخص، فألصقها المجني عليه في حرارة الدم، فالتصقت، لم يسقط القصاص ولا الدية عن الجاني، لأن الحكم يتعلق بإبانة، وقد وجدت) (٢)

فاتضح بهذه النصوص أن مذهب الشافعي في هذا مثل المختار من مذهب المالكية أن إعادة العضو المجنى عليه لا يسقط القصاص ولا الأرش.

مذهب الحنابلة:

١٤ - وأما الحنابلة، فلهم في هذه المسألة وجهان. وقد ذكرهما القاضي أبو يعلى، فقال:

"إذا قطع أذن رجل فأبانها، ثم ألصقها المجني عليه في الحال فالتصقت، فهل على الجاني القصاص أم لا؟ قال أبو بكر في كتاب الخلاف: لا قصاص على الجاني، وعليه حكومة الجراحة، فإن سقطت بعد ذلك بقرب الوقت أو بعده كان القصاص واجباً، لأن سقوطها من غير جناية عليها من جناية الأول، وعليه أن يعيد الصلاة. واحتج بأنها لو بانت لم تلتحم، فلما ردها والتحمت كانت الحياة فيها موجودة، فلهذا سقط القصاص.


(١) كتاب الأم للشافعي: ٦ /٥٢ تفريع القصاص فيما دون النفس من الأطراف.
(٢) روضة الطالبين وعمدة المفتين للنووي: ٩/١٩٧، وراجع أيضاً المجموع شرح المهذب: ١٧/٢٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>