للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسألة الثانية

إعادة الجاني عضوه المقطوع بالقصاص

١٧ - أما المسألة الثانية، فهي أن الجاني إذا قطع عضوه في القصاص، فأعاده إلى محله بعد استيفاء القصاص، هل يعتبر ذلك مخالفة لأمر القصاص، فيقتص منه مرة أخرى؟ أو لا يعتبر؟

١٨ - فجزم الإمام الشافعي رحمه الله تعالى بأن القصاص قد حصل بإبانة عضو الجاني مرة، فلو أعاده إلى محله فإنه لا يلغى استيفاء القصاص السابق، فلا يقتص منه مرة ثانية، وان ترك العضو المزروع في محله لا يعتبر مخالفة لأمر القصاص. قال رحمه الله تعالى بعد بيان المسألة الأولى (وهي إعادة المجني عليه عضوه إلى محله) :

"وإن لم يثبته المجني عليه، أو أراد إثباته فلم يثبت (١) وأقص من الجاني عليه، فأثبته، فثبت، لم يكن على الجاني أكثر من أن يبان منه مرة، وان سأل المجني عليه الوالي أن يقطعه من الجاني ثانية لم يقطعه الوالي للقود، لأنه قد أتى بالقود مرة إلى أن يقطعه لأنه ألصق به ميتة " (٢)

فظهر أن الجاني لم يمنعه من ذلك، ولا يقطع عضوه مرة ثانية، لمخالفته لموجب القصاص. وأما ما ذكره الشافعي رحمه الله من الأمر بقطعه بسبب إلصاق الميتة فسيجيء الكلام على ذلك تحت المسألة الثالثة إن شاء الله تعالى.

١٩ - وأما الحنابلة، فعندهم في هذه المسألة قولان، أحدهما موافق للشافعية، وجزم به ابن قدامة في المغني، فقال:

"وإن قطع أذن إنسان، فاستوفي منه، فألصق الجاني أذنه، فالتصقت، وطلب المجني عليه إبانتها، لم يكن له ذلك، لأن الإبانة قد حصلت، والقصاص قد استوفي، فلم يبق له قبله حق ... والحكم في السن كالحكم في الأذن " (٣)


(١) إن هذا ليس قيداً احترازياً للحكم، وإنما صور المسألة فيما يمكن فيه القول بالاقتصاص مرة ثانية على أساس أن المجني عليه لم يعد عضوه إلى محله، فكيف يعيده الجاني؟ فذكر أن هذا النظر غير صحيح، لأن الواجب على الجاني هو الإبانة مرة واحده، وقد حصل. ويؤخذ منه بالبداهة أن الحكم كذلك بالأولى إذا أثبت المجني عليه عضوه، فإن حالى الجاني والمجني عليه يصير سواء في تلك الصورة.
(٢) كتاب الأم للشافعي: ٦ /٢٥، وبمثله صرح النووي في روضة الطالبين: ٩ /١٣٧و ١٣٨.
(٣) المغني لابن قدامة: ٩/٤٢٣، ومثله في الشرح الكبير: ٩/٤٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>