وحاصله أن إعادة الجاني عضوه انما لا يؤثر في القصاص، إذا كان المجني عليه أعاد عضوه أيضاً، أما إذا لم يعد المجني عليه وأعاده الجاني، فإن الجاني يغرم العقل.
٢١ - وأما الحنفية، فلم أجد عندهم مسألة إعادة الجاني عضوه، ولكن ذكر في الفتاوى الهندية عن المحيط مسألة تشابه ما نحن فيه، وهي ما يلي:
"إذا قلع الرجل ثنية رجل عمداً، فاقتص له من ثنية القالع، ثم نبتت ثنية المقتص منه، لم يكن للمقتص له أن يقلع تلك الثنية التي نبتت ثانياً "(١)
وهذا يدل على أن الأصل عند الحنفية أن المجني عليه إنما يستحق إبانة عضو الجاني مرة واحدة، وليس من حقه أن يبقي العضو فائتاً على الدوام، فالظاهر أن مذهبهم مثل مذهب الشافعية في هذه المسألة، وذلك لأمور:
(١) إنهم أجازوا بقاء الثنية النابتة بنفسها، ولم يروها معارضة لمقتضى القصاص، مع أنها أحكم وأثبت من السن الملصقة، وأكثر منها نفعاً، فالظاهر أن السن المزروعة أولى أن لا تكون معارضة لمقتضى القصاص.
(٢) قد ذكرنا في المسألة الأولى أن المجني عليه إذا أعاد عضوه إلى محله، فإن ذلك لا يؤثر في ما ثبت على الجاني من القصاص والأرش، بل يجب القصاص كما كان يجب عند عدم الزرع. فيقاس على ذلك زرع الجاني عضوه، وأنه لا يؤثر في ما استوفي من قصاص. وإلا فليس من الإنصاف أن يزرع المجني عليه عضوه، ويمنع الجاني من ذلك بتاتاً.
٢٢ - فالراجح عندي مذهب الشافعية وجماعة من الحنابلة، وهو مقتضى مذهب الحنفية، أن القصاص يحصل بإبانة العضو مرة واحدة، ولكل واحد من الفريقين الحرية في إعادة عضوه بعملية طبية إذا شاء. فلو فعل ذلك الجاني، ولم يفعله المجني عليه، فإن ذلك مبني على أن كل واحد يتصرف في جسمه بما يشاء، ولا يقال إن عمل الجاني مخالف لمقتضى القصاص، كما إذا أعاده المجني عليه، ولم يعده الجاني، فإن ذلك لا يؤثر في أمر القصاص، وكل واحد يختار في معالجة ضرر جسمه ما يتيسر له، ولا سبيل إلى إحداث المساواة بين الناس في علاج أجسامهم. والله سبحانه أعلم.
(١) الفتاوى الهندية: ٦/١١ - الباب الرابع من الجنايات.