للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأحكم وجوه الزجر الرادعة عن هذه الجنايات غاية الإحكام، وشرعها على أكمل الوجوه المتضمنة لمصلحة الردع والزجر، مع عدم المجاوزة لما يستحقه الجاني من الردع، فلم يشرع في الكذب قطع اللسان ولا القتل، ولا في الزنى الخصاء، ولا في السرقة إعدام النفس، وإنما شرع لهم في ذلك ما هو موجب أسمائه وصفاته من حكمته ورحمته، ولطفه وإحسانه وعدله، لتزول النوائب، وتنقطع الأطماع عن التظالم والعدوان ويقتنع كل إنسان بما آتاه مالكه وخالقه، فلا يطمع في استلاب غيره حقه" (١)

وقال الماوردي: الجرائم محظورات شرعية، زجر الله تعالى عنها بحد أو تعزير (٢)

وأما آراء الأصوليين في دلالة الأمر، فإنهم قرروا أن تنفيذ الأمر يتحقق بامتثال مضمونه مرة واحدة، سواء عند الحنفية والحنابلة القائلين بأن الأمر المطلق لا يقتضي التكرار، وإنما يدل على مجرد طلب ماهية الفعل المأمور به وإيجاده من غير إشعار بمرة أو تكرار، فيبراً بالمرة، ويحتمل التكرار (٣) أو عند أكثر المالكية وأكثر الشافعية القائلين بأن الأمر يدل على المرة الواحدة لفظاً ويحتمل التكرار، لأن امتثال المأمور به يحصل بالمرة، فيكون لها (٤)

فإذا نفذ الحد أو القصاص، فقطعت يد السارق مثلاً، واقتص من الجاني بمثل جنايته، فقد تحقق الأمر القرآني، وبرىء الحاكم مما يجب عليه بالإجماع من تطبيق الحد على الجناة، ولا يطالب بمتابعة الجاني أو ملاحقته بعدئذ لينظر ماذا يفعل في يده أو بأي عضو من أعضائه فمثل تلك المتابعة أو المراقبة غير مطلوبة شرعاً، ولم يشر إليها أحد من الفقهاء.


(١) السياسة الشرعية لابن تيمية: ص ٩٨.
(٢) الأحكام السلطانية: ص ٢١١.
(٣) مسلم الثبوت: ١/ ٣١٠، المدخل إلى مذهب أحمد: ص ١٠٢، أصول السرخسي: ١/ ٢٠ – ٢٢
(٤) شرح تنقيح الفصول للقرافي: ص ١٣٠، المستصفى: ٢/٢ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>