والحكم الاجتهادي لإعادة اليد ونحوها يختلف بحسب نوع طريق إثبات الجريمة، فإذا ثبت الحد بالإقرار، جاز القول بلا شك بإعادة اليد ونحوها، وإذا ثبت بالشهادة وكان الحد من حقوق العباد أو الآدميين، لم يجز القول بإعادة اليد، أما إن كان الحد من حقوق الله تعالى المحضة، فربما كان القول بجواز إعادة اليد أمراً مقبولاً اجتهاداً؛ لأن حقوق الله مبنية على المسامحة والإسقاط والرحمة والإشفاق.
الرأي الاجتهادي في الموضوع:
لا بد في تقديرنا من التفرقة بين حقوق العباد وحقوق الله تعالى.
(أ) ففي حالة استيفاء القصاص من طرف أو عضو كالعين واليد، لا أرى القول بجواز إعادة العضو إلى مكانه بعملية جراحية إلا إذا أذن المجني عليه ورضي بذلك، وعفا عن الجاني، لأن الغالب في القصاص كونه من حقوق العباد (الأشخاص) . والقصاص هو المماثلة، ويشترط فيه المماثلة بين الجناية والعقوبة في أمور ثلاثة: التماثل في الفعل، والتماثل في المحل (الموضع والاسم) والتماثل في المنفعة (أو الصحة والكمال)(١)
فالمساواة في المحل أثناء العقوبة مطلوبة في قصاص النفس والأطراف والأعضاء، ولا ينظر إلى التفاوت بين العضوين في الصغر والكبر.
وعدم مراعاة المماثلة أو المساواة يفتح باب الغيظ والحقد والثأر والانتقام، أو الاعتراض والنقد الجارح، لمجافاة العدالة والمساواة بين الجاني والمجني عليه. وإذا كان الحال هكذا فلا يعقل أن يظل المجني عليه بعين واحدة أو يد واحدة مثلاً، لتعذر إعادتها بسبب ظروف الجناية وقسوتها وتمزق أوصال العضو وتبدده يميناً وشمالاً، ثم يتمكن الجاني بعد القصاص من إعادة عضوه إلى مكانه الطبيعي، والمجني عليه ينظر ويحملق إليه بعين ملؤها الغضب والغيظ، وتحدثه نفسه بالتشفي والانتقام.
(١) البدائع: ٧/٢٩٧ وما بعدها، المبسوط: ٢٦/ ١٣٥ – ١٤٠، المغنى: ٧/٧٠٣، كشاف القناع: ٥/ ٦٣٩ - ١ ٦٥، المهذب: ٢/٢٢٨، ٢٢٩ وما بعدها ٢٣٤.