أما إن عفا المجني عليه مجاناً أو بعوض بعد القصاص، جاز للجاني المبادرة إلى إجراء عملية جراحية تعيد له ما قطع أو اقتص منه، لأن المجني عليه يملك شرعاً إسقاط القصاص من الأصل، فيملك بطريق الأولى العفو عن الجاني بعد القصاص، لقوله تعالى:{وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}[سورة البقرة: الآية ٢٣٧] ، {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ}[سورة البقرة: الآية ١٧٨] ، {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ}[سورة المائدة: الآية ٤٥] .
(ب) وأما في حال تطبيق حدي السرقة أو المحاربة (قطع الطريق) اللذين هما من حقوق الله تعالى بقطع اليد من الرسغ، والرجل من المفصل، ومراعاة الضوابط والشرائط الشرعية لاستيفاء الحدود، فلا يختلف الرأي لدي بحسب طريق إثبات الحد، ما دام الحد من حقوق الله تعالى المبنية على التسامح والإسقاط.
فإذا ثبت موجب الحد أي جريمة السرقة مثلاً بالإقرار، وقطعت يد السارق الذي أقر، ثم رجع عن اقراره، جاز له بلا شك أن يعيد يده إلى موضعها بعمل جراحي، لأنه يجوز شرعا الرجوع عن الإقرار قبل البدء بالحد وفي أثنائه وبعد تنفيذه ليتلافى الآثار المعنوية الناجمة عن تطبيق الحد، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما هرب ماعز عند رجمه من أرض قليلة الحجارة إلى أرض أخرى قال لصحابته.: ((هلا تركتموه، لعله أن يتوب، فيتوب الله عليها)) (١)
(١) رواه أبو داود عن يزيد بن هزال عن أبيه، ورواه أيضاً أحمد والترمذي وابن ماجه، وقال الترمذي: "حسن ". وانظر: مصادر التشريع الإسلامي للدكتور حسنين عمود حسنين: ص ١٥٦ وما بعدها.