وإذا كان علماء القانون الجزائي يضعون النظريات المثالية التي يستدرون بها الدموع ويستجدون بها العواطف على المجرمين، فأولى بهؤلاء أن ينظروا ولو مرة واحدة إلى الجرائم المروعة الدامية التي تحل بالآمنين المطمئنين من السكان الذين استسلموا أو ألقوا سلاحهم اعتماداً على الأمن والاستقرار والحماية التي توفرها أجهزة الأمن لهم من خلال التشريعات الجزائية الواقية.
وقطع يد السارق هي عقوبة السماء فأولى بالبشر أن يتمسكوا بهذه العقوبة الرادعة الزاجرة التي ما أريد بها إلا حماية المجتمع وحماية أمنه واستقراره.
ولتكف الأعين الدامعة أسى وحزناً على المجرمين، وإذا كان المجرم يستحق نظرة رحمة وشفقة فإن البريء بدون شك هو أحوج لهذه النظرة البريئة (١)
أقول: وخلاصة ذلك أن الله لما خلق الإنسان وفضله وكرمه على كثير من خلقه فقال: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} ، وقال سبحانه وتعالى:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ} ، فقد أنزل سبحانه وتعالى من الأحكام على يد رسله الذين اصطفاهم واختارهم وكان الهدف من هذه الأحكام التي أنزلها على رسله هو المحافظة على الإنسان الذي كرمه على سائر خلقه، فكانت هذه الأحكام تهدف إلى المحافظة على الأرواح والأموال والأعراض والعقول وغيرها من مقاصد تنظيم المجتمع تنظيما دقيقاً ناجحا، ومن هذه الأغراض والمقاصد الأساسية التي تهدف إليها الشريعة الغراء - المحافظة على مال الإنسان ونفسه.
ولذلك فقد شرع الله حد السرقة وهو قطع يد السارق: لأن السرقة تؤدي إلى إتلاف المال وضياعه، والمال مخلوق لوقاية النفس والمحافظة عليها. فكانت الحكمة من شرعية حد السرقة هي المحافظة على المال وعلى النفس وعلى العرض.
(١) مباحث في التشريع الجنائي الإسلامي، للدكتور محمد فارون النبهان، الناشر - وكالة المطبوعات بالكويت، ودار القلم ببيروت، لبنان: ص ٣٦٦، ٣٦٧.