للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما بحثي فقد قدمت له بأن هذا الموضوع في تقديري جديد، والكلام فيه محض اجتهاد يحتمل الصواب والخطأ، ثم أوضحت الحكمة من تشريع الحدود، كما ذكر غيري، وهي الزجر والردع عن اقتراف الجريمة وصيانة. المجتمع عن الفساد والانحراف والتطهر من آثار الذنب والمعصية. وأبنت أن تنفيذ الأمر الإلهي بالقطع يتحقق بامتثال الحكم مرة واحدة دون تكرار لأن الأمر عند الأصوليين يدل على مجرد طلب الماهية في رأي جماعة، ويدل، في رأي جماعة أخرى، على المرة الواحدة عند أصوليين آخرين، فإذا نفذ الحكم أو القصاص، فقد تحقق الأمر القرآني وبرىء الحاكم مما يجب عليه من تطبيق الحدود. ثم وضحت بأن المراد بالحسم المذكور في السنة مجرد قطع النزيف الدموي حتى لا يؤدي ذلك إلى تلف النفس وهلاك الإنسان بسبب قطع يده أو رجله، فهذا هو المقصود من الحسم وليس المراد منه أنه لا يمكن إعادة هذا العضو، والسبب في هذا أن الله أمر بالإحسان في كل شيء، ثم إن مقتضى الاستحسان والمصلحة الضرورية أو الحاجية لا يمنعان من القول من إعادة اليد لأن إعمال النص بالحدود قد تحقق بقطع اليد أو القصاص وما وراء ذلك على الإباحة، كذلك مبادىء السياسة الشرعية لا تمانع من إعادة اليد إذا كان ذلك علاجاً لحالات معدودة نادرة وليس ذلك ظاهرة عامة تؤدي إلى تجرؤ اللصوص والمحاربين وقطاع الطرق على ارتكاب الجرائم، فإذا كان الأمر لا يعدو مجرد حالات نادرة محدودة دون أن يصبح ذلك ظاهرة عامة تجرىء اللصوص والمجرمين فلا مانع - في تقديري - من إعادة اليد، ثم فصلت في الأمر فذكرت التفرقة بين حقوق العباد وحقوق الله تعالى، فلم أجز إعادة العضو المقطوع في القصاص كاليد وغيرها، إلا إذا أذن المجني عليه ورضي بذلك، وعفا عن الجاني، لأن الغالب في القصاص كونه من حقوق العباد، وهو يقوم على مبدأ المماثلة في الفعل والمحال والمنفعة، ثم إن في إعادة اليد إثارة لغيظ المجني عليه مما يدفعه إلى حب الانتقام والثأر، فسداً للذرائع ودفعاً للخصومات والمنازعات لم أجز إعادة العضو المقطوع في مجال القصاص أي في حقوق العباد، أما في حقوق الله - تعالى - المبنية على التسامح في حد السرقة والحرابة فيجوز إعادة اليد إن ثبت موجب الحد بالإقرار لأن الرجوع عن الإقرار جائز في السنة قبل الحد وفي أثنائه وبعد إقامته، وتعد إعادة اليد من هذا الشخص الذي ثبت عليه الحد بإقراره تعد إعادة اليد رجوعاً منه عن الإقرار، ولا مانع من هذا الرجوع، أما إذا ثبت موجب الحد، أي الجريمة بالشهادة فيجوز، في رأيي، إعادة اليد إذا تاب السارق أو المحارب، بأربعة شروط:

بأن يتوب السارق أو المحارب، وأن يكون الحد من حقوق الله تعالى المبنية على التسامح، وأن تكون الإعادة حالة قليلة أو نادرة، وأن يقوم السارق بإعادة المال المسروق إلى صاحبه.

<<  <  ج: ص:  >  >>