فإذا توافرت هذه الشروط الأربعة فلم أجد مانعاً - في اجتهادي وهو محل للصواب والتخطئة - لإعادة اليد، وذكرت لإثبات الجواز بهذه الشروط الأربعة، ذكرت أحد عشر دليلاً، وأذكر هذه الأدلة بالرغم من وجودها في البحث بإيجاز لإلقائي على مسامع السادة الحضور.
الدليل الأول للجواز في هذه الحالة: أنه قد تم إعمال النص التشريعي الآمر بالحد بمجرد القطع أو البتر، فيبقى ما عدا ذلك على أصل الإباحة الشرعية، فيمكن أن نستفيد في عصرنا من معطيات تقدم الطب العلمي، وأما في الماضي فكان يظل موضع أثر القطع قائما على ما هو عليه بسبب العجز عن مثل هذا التصور، وهو مجرد أمر واقع لا يحتج به كما لا يحتج بالوقائع التي لم تتعلق بها نصوص شرعية، وذكرت قول السرخسي في هذا الموضوع مبيناً مذهب الحنفية في أنه لا يجمع بين الحد وضمان المال المسروق، وقوله يفيدنا في بيان مدى إعمال النص، وذكر قوله تعالى:{جَزَاءً بِمَا كَسَبَا} وأن القطع هو جميع موجب الفعل لأن لفظ (الجزاء) إشارة إلى الكمال، فلو أوجبنا الضمان معه لم يكن القطع - أي قطع يد السارق - جميع موجب الفعل، فكان نسخاً لما هو ثابت بالنص، ثم ذكر السرخسي حديثاً عن عبد الرحمن بن عوف أنه لا غرم على السارق بعد ما قطعت يده، لكن إذا اجتمع في يد الجاني قطع في السرقة والقصاص بدىء بالقصاص وضمن السرقة، هذا مضمون الدليل الأول من كلام السرخسي، فإذا اجتمع في اليد حقان أحدهما حق لله تعالى والآخر للعبد فيقدم حق العبد لحاجته إلى ذلك. الدليل الثاني: أنه لا سلطان للحاكم على المحدود بعد تنفيذ الحد، فإذا بادر السارق أو المحارب إلى إعادة يده أو رجله التي دفنت أو رميت أو ما شاكل ذلك، بعمل جراحي، هل يحق لهذا الحاكم أن يتابعه ويتدخل في شأنه؟ كما لا يحق له أن يتابعه إذا أراد إقامة أو تركيب يد صناعية أو رجل صناعية، فتكون إعادة العضو الطبيعي أجدى وأنفع وأولى.