للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونحن نسلم للشافعية بحرمة ذلك لأن الجائع المشرف على الهلاك يجد في جسده مثلما يجد في أجسام الآخرين، فإذا أشرف على الهلاك حرم عليه الأكل من أجسام الآخرين لأنه تعد لا مبرر له بسبب قدرته على الأكل من جسده. أما من فقد عينه أو كليته فلا يجد في جسده البديل لهذا جاز له نقل ما يحتاجه من أجساد الآخرين.

(ز) ما ذهبنا إليه لا يتعارض مع نجاسة العضو إذا فصل من الحي لأن هذه المسألة حكمها كحكم التداوي بالمحرمات إذ يجوز ذلك بمقتضى الضرورة وقد نقلنا عن النووي ما يدل على جواز التجبير بالعظم الطاهر وجواز إبقاء العظم النجس إذا كان إخراجه يفضي إلى ضرر بالغ.

(ح) ما ذهبنا إليه لا يتعارض مع حرمة بيع أجزاء الإنسان لأن المقتضى المبيح لذلك هي الضرورة والضرورات تبيح المحظورات، قال تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [سورة الأنعام: الآية ١١٩] .

ونحن نعلم أن بيع المصحف حرام شرعاً إلا أن الضرورة القصوى اقتضت إباحة بيعه كما جاء في الشرح الكبير (١) وليست أعضاء الإنسان بأحل من المصحف الكريم ولهذا جاز أن يدفع المضطر لصاحب العضو المنقول منه ثمناً إما على سبيل الشراء أو على سبيل المكافأة إذ الجعل مشروع في مثل هذه الأعمال المباركة العظيمة التي تكون سبباً في إحياء نفس تعدل إحياء الناس جميعاً عند الله تعالى وقد ذكر ابن عابدين (٢) أن لو سأل رجلاً عن مكان فإن أشار إليه لم يستحق الأجر وإن مشى معه استحق الأجر فالأجر بالمشي بسبب الكلفة حل، وهل ثم كلفة أقصى من أن يتحمل الإنسان عملية جراحية يستأصل بموجبها عضو من أعضائه لعليل لولاه لفارق الحياة والنور؟

٧ – الدم يجوز نقله وإن كان نجساً:

لأن المضطر إذا أكل النجاسة لا يجب بعد ذلك أن يستخرجها بعد استقرارها في معدته والمضطر إلى الدم يجوز له أن يعتمد على دم غيره ولا يجب عليه استخراجه بعد نقله لأنه استقر في أوردته ويجوز بمقتضى التبرع أو دفع الجعل لمن يتبرع أو بالشراء إذا أغلقت نوافذ الإباحة بناء على قاعدة الضرورات تبيح المحظورات وقد جوز بيع المصحف بناء على هذه القاعدة كما ذكرنا آنفاً.


(١) انظر الشرح الكبير: ٤/١٢.
(٢) انظر رد المحتار: ٤/ ٢٨١.

<<  <  ج: ص:  >  >>