فتعريف بيع العربون لا يكاد يختلف في تصويره، وإنما الخلاف في حكمه، فمن ذهب إلى المنع رجح المنع بأن حديث المنع أقوى سندًا، كما رجح المنع من ناحية المعنى، يقول الزرقاني: هو باطل عند الفقهاء لما فيه من الشرط والغرر، وأكل أموال الناس بالباطل، فإن وقع فسخ فإن فات مضى لأنه مختلف فيه.
ومن ذهب إلى الجواز، رجح ذلك بما روي أن نافع بن عبد الحارث اشترى بمكة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه دار السجن من صفوان بن أمية بأربعة آلاف درهم على أنه إن رضي عمر كان البيع نافذًا وإن لم يرض فلصفوان أربعمائة درهم، قال الأكرم: قلت لأحمد تذهب إليه؟ قال: أي شيء أقول؟ هذا عمر رضي الله عنه، وروي القول بالجواز عن ابن عمر رضي الله عنهما، كما استند أحمد إلى قياس بيع العربون عما روي عن سعيد بن المسيب وابن سيرين أنهما يجيزان للمشتري إذا كره السلعة أن يردها؟ ويرد معها شيئا = قال أحمد: هذا في معناه.
والمعتمد في مذهب أحمد عدم الجواز، إذ ذهب إلى ذلك أبو الخطاب ووجَّه ابن قدامة بأن العربون في حالة العدول عن الشراء يأخذه البائع بغير عوض – وإن دافعه له الرجوع فيه – ونفى ما يتوهم من أنه في مقابل انتظار البائع لتقدم المشتري لإتمام الصفقة، لأنه لو كان من أجل الانتظار للزم من ذلك أمران. أحدهما: أنه لا يطرحه من الثمن عند الشراء مع أن المشتري يطرحه عند إتمام الصفقة، وثانيهما: أنه لو كان في مقابلة الانتظار لوجب أن تكون مدة الانتظار معلومة كالإجارة فلا بد أن يكون المقابل المالي هو لمدة معلومة.