للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكن بعض الكتاب المعاصرين رجحوا جواز هذا العقد، فقد ذكر الشيخ مصطفى الزرقاء في كتابه المدخل الفقهي العام. " ومن المعلوم أن طريقه العربون هي وثيقة الارتباط العامة في التعامل التجاري في العصور الحديثة، وتعتمدها قوانين التجارة وعرفها، وهي أساس لطريقة التعهد بتعويض ضرر الغير عن التعطل والانتظار " (١) ، وأيد هذا الاتجاه الدكتور وهبة الزحيلي فقال: وفي تقديري أنه يصح بيع العربون وأخذه عملًا بالعرف لأن الأحاديث الواردة في شأنه عند الفريقين لم تصح (٢) .

يبدو أن الملحظ الذي رجح به العالمان مصطفى الزرقاء ثم الدكتور وهبة الزحيلي هو اعتبار العرف ولما كان العرف لا يصادم النص حل الدكتور وهبة الإشكال بأن الأحاديث لم تصح، والذي حقَّقه الشوكاني أن نصوص المنع وردت بطرق مختلفة يقوى بعَضُها بعضًا ويشهد لها القياس على أن العرف الحاصل في التعامل مبناه القوانين المقتبسة من القوانين الغربية التي شرعت للناس الأخذ بها والتعامل على أساسها.

والذي يقوم في نفسي هو أن كل مال يأخذه الإنسان في غير التبرعات والميراث لا بدَّ أن يكون له مقابل، وإلاَّ كان من قبيل أكل أموال الناس بالباطل، والعربون ليس له مقابل إلَّا المخاطرة التي دخل فيها المتعاملان، وكانت الضمانات أقوى في جانب البائع إذ هي إن تم البيع قبض الثمن، وإن لم يتم البيع استأثر بالعربون، أما المشتري فإنه قد يفوز بالمشترى وقد يعجز عن جمع الثمن أو تحل به مصيبة تمنعه من إتمام البيع فيخسر ماله بدون مقابل وتجتمع عليه أكثر من مصيبة، وما عرف في التعامل الإسلامي أن التشريع يكون في جانب القوي فيقوى جانبه، بل هو دومًا في جانب العدل فيلطف من تسلط القوي على الأضعف.


(١) المدخل الفقهي العام: ١/٤٩٥.
(٢) الفقه الإسلامي وأدلته: ٤/٤٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>