وبالتأمل في طبيعة " الاختيار " لا نجده منضمًا تحت لواء تنظيم أي عقد من العقود المسماة المعروفة، فهو في تصور القائمين به بيع أو مبادلة، ولا يعد بيعًا بحسب قواعد البيع الشرعية، وإنما هو تصرف من نوع خاص يمكن وصفه بأنه مجرد (مواعدة) لتبادل حقوق مجردة، منقطعة الصلة بالأعيان أو الأشياء المادية، وتقتصر على تبادل الرغبات أو الإرادة والمشيئة، لأن محل عقد البيع أو المبيع: هو الشيء المعين الذي يقع عليه البيع، وتعيينه إما بالرؤية أو بالوصف، كبيع سلعة أو بضاعة مشاهدة، أو موصوفة بأوصاف معينة. ويشترط في المبيع أن يكون موجودًا غير معدوم، إلَّا ما استثني وهو عقد السّلم والاستصناع وبيع الثمر على الشجر بعد بدو صلاح بعضه، والعقد الوارد على منفعة تستوفى تدريجيًّا مع مرور الزمن كالإجارة، فلا يصح بيع المعدوم أو ما له خطر العدم كبيع الحمل في البطن واللبن في الضرع والثمار قبل بدو صلاحها. ويشترط أيضًا أن يكون المبيع معلومًا غير مجهول جهالة فاحشة، وتغتفر الجهالة اليسيرة، وأن يكون مقدور التسليم ليس فيه غرر (أي احتمال) كبيع شيء ضائع أو هارب أو مفقود أو بيع السمك في الماء والطير في الهواء.
ويشترط في المبيع أيضًا أن يكون مالًا متقومًا (أي يباح الانتفاع به شرعًا) وأن يكون طاهرًا غير نجس وأن يكون مملوكًا في نفسه، فلا يصح بيع ما ليس بمال كالميتة والدم، ولا غير المتقوم كالخمر والخنزير، ولا النجس أو المتجنس كالروث أو المائع الذي وقعت فيه نجاسة، ولا يصح بيع ما ليس بمملوك لأحد من الناس، مثل بيع الكلأ (العشب) ولو في أرض مملوكة، والماء غير المحرز، والحطب والحشيش وصيد البرية وتراب الصحراء ومعادنها وأشعة الشمس، والهواء، ولقطات البحر، وحيوانات البر في البراري.
وتشترط هذه الشروط على السواء عند فقهاء الحنفية والشافعية في عقود المعاوضات وعقود التبرعات. ولا يشترط عند المالكية أن يكون محل العقد موجودًا حين التعاقد في عقود التبرعات، ولكن لا يتم عقد الهبة إلَّا بالقبض، كهبة ما ينتجه البستان من الثمار في المستقبل. وأجاز متأخرو الحنابلة كابن تيمية وابن القيم بيع الشيء المعدوم، ما دام خاليًا من الغرر، إذا تعين المحل بالوصف.