للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأجاز المالكية عقود التبرعات المشتملة على الجهالة، لأن مبناها على التبرع لا المساومة التي تقوم عليها عقود المبادلات المالية كالبيع والشراء.

يفهم من هذا أن المعقود عليه في عقد البيع لا بد أن يكون شيئًا ماديًّا محسوسًا معلومًا، وهذا غير متحقق في عقود الاختيارات، فلا تعد بيعًا صحيحًا.

وأما ماأجازه الفقهاء كالحنفية والشافعية من التنازل بعوض عن الاختصاصات كالوظائف الشرعية من إمامة وخطابة وأذان، فحمله عمل معين لاينطبق عليه حال عقود الاختيارات.

وكذلك التنازل عن حقوق الابتكار أو حقوق الملكية الأدبية والفنية والذهنية كحق التأليف وحق الرسام والفنان والمخترع وحق العلامات التجارية الفارقة، محله متعلق بشيء مادي عيني، متمثل بكتاب أو مرسوم أو مادة مخترعة، أو شعار فني ذي مواصفات معينة، وهذا لاينطبق عليه أيضًا عقد الاختيار.

ولايجوز بيع الحقوق المجردة كحق الشفعة، وحق الارتفاق مثل حق المرور والمجرى والمسيل والطريق، فحق الارتفاق عند الحنفية ليس مالًا، وإنما هو حق مالي يسوغ لمالكه الانتفاع به، فلا يجوز بيعه مستقلًّا عن الأرض، وإنما يباع تبعًا لها، ولا يجوز هبته أو التصدق به، لأن ذلك تمليك، والحقوق المجردة لا تحتمل التمليك. وأجاز غير الحنفية بيع بعض حقوق الارتفاق كحق العلو (بيع السطح مثلًا) . ومحل حقوق الارتفاق متمثل بأشياء مادية، يمارس صاحب الحق فيه الارتفاق أو الانتفاع على شيء مادي معين، وهذا يختلف عن طبيعة عقد الاختيار.

أما الثمن في البيع أو الأجر في الإجارة، فيشترط فيه أن يكون معلومًا للعاقدين منعًا من الوقوع في الجهالة، سواء كان نقدًا أو أعيانًا قيمية كالحيوان أو الثوب مثلًا في عقود المقايضات، أو أموالًا مثلية كالحبوب. ويشترط في الثمن أو الأجرة أيضًا أن يكون مالًا متقومًا (يباح الانتفاع به شرعًا) وإلَّا فسد العقد. ومن الطبيعي أن الثمن شرعًا يكون عوضًا في مقابل معقود عليه يجوز تبادله، وهذا لا ينطبق على (ثمن الاختيار) في عقود الاختيارات، فإنه يتحدد على أسس غير شرعية أحيانًا، يراعى فيه سعر السلعة المذكور في العقد، وطول الفترة الزمنية المحددة للعقد، وتوقعات تقلبات أسعار السلعة المبيعة أو المشتراة، والسعر المتوقع للسلعة المبيعة أو المشتراة، وسعر الفائدة. وهذه العوامل أو الأسس في تحديد (ثمن الاختيار) لا يصح مراعاتها أو النظر إليها شرعًا، لأنها إما ربًا أو احتمالية ذات غرر.

وأما ما أجازه الحنابلة من البيع بما ينقطع عليه السعر في السوق، فهو مرتبط بظرف معين محدد أي بتاريخ معين وإن لم يعرف في وقت العقد، وبتعارف الناس والتعامل به في كل زمان ومكان، كبيع القطن بما يستقر عليه سعر السوق في بورصة الأقطان في الساعة السادسة من يوم كذا، وقد أخذ به القانون المدني السوري والمصري. والمراد به سعر السوق في وقت معين، لا أي سعر في المستقبل.

<<  <  ج: ص:  >  >>