للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا كنا قد اعتبرنا عقود الاختيارات من قبيل المواعدة، فيلزم الوفاء بها ديانة باتفاق الفقهاء، وكذا قضاء في مذهب المالكية إذا ترتب على الوعد دخول الموعود في التزام مالي بناء على ذلك الوعد، كما لو وعد شخص غيره بمبلغ من المال إذا اشترى بضاعة، وتم الشراء، فيجبر الواعد قضاء على تنفيذ وعده (١) . ومن قواعد الحنفية في المجلة (م٨٣) : " المواعيد بصورة التعاليق تكون لازمة "، فلو وعد شخص غيره ببيع أو بقرض أو بهبة إن فعل شيئًا مشروعًا كزواج أو شراء، يصير الواعد ملزمًا بالوفاء للموعود (٢) اجتنابًا لتغرير الموعود، بعدما خرج الوعد مخرج التعهد. وقال ابن نجيم: لا يلزم الوعد إلَّا إذا كان معلقًا " (٣) .

وقضى ابن أشوع بالوعد كما ذكر البخاري، وهو قول طائفة من أهل الظاهر وغيرهم (٤) .

ويكون عقد الاختيار من قبيل الوعد بالبيع، لوجود التزام أحد العاقدين أمام الغير بتنفيذ الصفقة حينما يتم الشراء منه أو البيع له.

س٢: هل هناك علاقة بين عقد الاختيار وبين البيوعات أو العقود الأخرى، مثل بيع العربون، أو البيع على الصفة أو السّلم أو الهبة؟

الواقع أنه لا صلة بين عقد الاختيار وبين أي واحد من هذه العقود، لأنها ترد على أشياء معينة مادية معلومة، وعقد الاختيار يرد على حق مجرد الشراء أو بالبيع، فبيع العربون مثلًا: عقد وارد على عقار أو سلعة، ويدفع المشتري مبلغًا من المال يعد جزءًا من الثمن إن تم البيع، وتعويضًا عن تفويت الفرصة إن عدل المشتري عن الشراء. والبيع على الصفة أو غير المرئي، أو العين الغائبة: بيع يرد على سلعة معينة بأوصاف محددة، لكن المشتري لم يرها، وبيع السلم: بيع آجل بعاجل أو بيع شيء موصوف في الذمة بثمن معجل، يكون المسلم فيه (المبيع) غير موجود عند التعاقد، وإنما يوجد في المستقبل، وهو شيء مادي محسوس، لا مجرد حق. وعقد الهبة: عقد تبرع من غير عوض، فإن كانت الهبة بعوض، فهي في معنى البيع، وهي ترد على نقود أو أشياء أو عقارات أو منقولات، وليست على حقوق، إلَّا إذا كان الحق متمثلًا بشيء عيني كحق التأليف مثلًا لكتاب أو بحث أو مقال.

***

س٣: ما التكييف الشرعي للعوض مقابل إعطاء الحق في الاختيار؟

نظرًا لأن عقد الاختيار ليس عقدًا بالمعنى الصحيح، وإنما هو وعد بإبرام عقد، فإن العوض المعطي مقابل حق الاختيار مجرد تبرع مبتدأ، مقابل عمل من أعمال البر والمعروف.


(١) الفروق للقرافي: ٤/٢٤ وما بعدها.
(٢) شرح المجلة، للأستاذ على حيدر.
(٣) الأشباه والنظائر: ٢/١١٠؛ والمدخل الفقهي، للأستاذ مصطفى الزرقاء: ف٦٤٦.
(٤) جامع العلوم والحكم، لابن رجب: ٢/٤٨٢ – ٤٨٦؛ طبع مؤسسة الرسالة بدمشق.

<<  <  ج: ص:  >  >>