يقول العلامة (الرهوني) : " سمعت سيدي أبا محمد رحمه الله تعالى يذكر أنه أدرك بالمغرب المحتسب يمشي على الأسواق، ويقف على كل دكان فيسأل صاحبه عن الأحكام التي تلزمه في سلعه، ومن أين يدخل عليه الربا فيها، وكيف يتحرز منها؟ فإن أجابه أبقاه في الدكان، وإن جهل شيئًا من ذلك أقامه من الدكان، ويقول: لا يمكنك أن تقعد في سوق المسلمين تطعم الناس الربا، وما لا يجوز "(١) .
ومن نعم الله عز وجل على الأمة الإسلامية في الوقت الحاضر أن توجد المؤسسات العلمية، والمجامع الفقهية الإسلامية التي تتحسس هذه الأمور، لتعرضها للدراسة والبحث، يشارك فيها الفقهاء والمتخصصون من مختلف الأقطار الإسلامية بطريقة جماعية، وأسلوب عصري واع.
وإن أمانة مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي إحدى هذه الصروح الشامخة، التي تولي هذه الموضوعات عناية فائقة، واهتمامًا كبيرًا بقدر ما لها من أهمية في مجتمعنا الإسلامي المعاصر.
وتأتي موضوعات عقود (الاختيارات) , و (المستقبليات) ، و (بطاقات الائتمان) في سلسلة مجموعة المعاملات والعقود، والمشاكل الاقتصادية الحديثة التي تنال حظًّا وافرًا من البحث والدراسة من قبل أمانة المجمع برئاسة أمينها سماحة العلامة الأستاذ الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة حفظه الله.
وقد كونت أمانة المجمع برئاسة سماحته لجنة علمية من الفقهاء والاقتصاديين، في اجتماعات دورية عديدة للتعاون على تقديم أوراق عمل، تدون فيها اللجنة تصويرًا للواقع، والممارسة لهذه العقود، وتعريفات وإيضاحات لها، في صياغة علمية واضحة، تتبين من خلالها محاورها، ومرتكزاتها، وتتحرى في وضعها الخصائص، والجوانب المهمة، التي تعين على استيعاب تصورها، ورسم حقائقها، في لغة جزلة، وعبارات دقيقة، قصد التوصل إلى تيسير فهمها، وتقريبها للفقهاء الباحثين، حتى يمكنهم من إصدار أحكام شرعية صحيحة بصددها.
وقد تم لهذه اللجنة من الفقهاء، والاقتصاديين الوفاء بالمسؤولية التي أنيطت بهم، والمتمثلة في الأوراق المرفقة بالبحث، وفي ضوء التعريفات والإيضاحات التي تضمنتها يتم بحث القسم الأول (الاختيارات) في دراسة فقهية، تحليلية، مقارنة – إن شاء الله – متوجهًا إلى المولى الكريم أن يمن بالتوفيق إلى المنهج الصحيح، والرأي السديد، وبالله التوفيق.
(١) الرهوني، سيدي محمد بن أحمد: أوضح المسالك وأسهل المراقي إلى سيل ابريز الشيخ عبد الباقي، (بيروت: دار الفكر، سنة ١٣٩٨هـ/١٩٧٨م) : ٥/٢، مصور عن الطبعة الأولى (مصر: المطبعة الأميرية، سنة ١٣٠٦هـ) .