للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الترهيب من أن يجلس الإنسان مجلساً لا يذكر الله فيه ولا يصلى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم

١ - عنْ أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ما جلس قوْمٌ مجلسا لمْ يذكروا الله فيه ولمْ يصلُّوا على نبيِّهم إلا كان عليهم ترةٌ، فإن شاء عذَّبهمْ، وإنْ شاء غفر لهمْ. رواه أبو داود والترمذي واللفظ له، وقال: حديث حسن، ورواه بهذا اللفظ ابن أبي الدنيا والبيهقي.

ولفظ أبو داود قال: من قَعدَ مقعداً لمْ يذكر الله فيه، كان عليه من الله ترةٌ، ومن اضطجع (١) مضجعا لا يذكر الله فيه كانتْ عليهِ من الله ترةٌ، وما مشى أحدٌ


= قال الغزالي: ولأجل شرف ذكر الله عز وجل عظمت رتبة الشهادة لأن المطلوب الخاتمة، ونعني بالخاتمة وداع الدنيا، والقدوم على الله تعالى والقلب مستغرق بالله عز وجل منقطع العلائق من غيره. فإن قدر عبد على أن يجعله همه مستغرقا بالله عز وجل، فلا يقدر على أن يموت على تلك الحالة إلا في صف القتال، فإنه قطع الطمع من مهجته وأهله وماله وولده. بل من الدنيا كلها فإنها يريدها لحياته، وقد هون على قلبه حياته في حب الله عز وجل وطلب مرضاته، فلا تجرد لله أعظم من ذلك، ولذلك عظم أمر الشهادة، ولما استشهد عبد الله بن عمرو الأنصاري يوم أحد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجابر: (ألا أبشرك يا جابر؟ قال: بلى، بشرك الله بالخير. قال: إن الله عز وجل أحيا أباك فأقعده بين يديه وليس بينه وبينه ستر. فقال تعالى: (تمن عليَّ عبدي ما شئت أعطيكه. فقال يا رب أن تردني إلى الدنيا حتى أقتل فيك وفي نبيك مرة أخرى فقال عز وجل: سبق القضاء مني بأنهم إليها لا يرجعون) ثم القتل سبب الخاتمة على مثل هذه الحالة. أهـ ص ٢٧٣ جـ ١.
يذكرني هذا قول سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه لبعض قواده: (أوصيك ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال. فإن تقوى الله أفضل العدة على العدو وأقوى المكيدة في الحرب، وأن تكون أنت ومن معك أشد احتراسا من المعاصي منكم من عدوكم فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم، ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوة لأن عددنا ليس كعددهم ولا عدتنا كعدتهم، فإن استوينا في المعصية كان لهم الفضل علينا في القوة وإلا ننصر عليهم بطاعتنا لم نغلبهم بقوتنا. واعلموا أن عليكم في سيركم حفظة من الله يعلمون ما تفعلون فاستحيوا منهم واسألوا الله العون على أنفسكم كما تسألونه النصر على عدوكم) فكر في هذا الكلام العذب البديع والنصائح الثمينة الغالية.
يدعو عمر رضي الله عنه إلى ذكر الله وخشيته رجاء غوثه ورحمته، وتلك لعمري غاية الفوز وثمرة النجاح وقد بين الله المؤمنين (الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم) وذكر صلى الله عليه وسلم أحد السبعة الذين يظلهم الله في ظله (رجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه).
(١) نام على مضجعه عد مقصرا غافلا عن ذكر الله، وحرم من ثواب الذكر

<<  <  ج: ص:  >  >>