للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الترغيب في الحب في الله تعالى، والترهيب من حب الأشرار وأهل البدع، لأن المرء مع من أحب]

١ - عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ (١) وَجَدَ بِهِنَّ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ (٢):

مَنْ كَانَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُما، وَمَنْ


(١) حصلن واجتمعن.
(٢) ذاق طعمه وشعر بأنواره واستضاء بهديه، وفي الفتح في البخاري: باب حلاوة الإيمان. مقصود المصنف أن الحلاوة من ثمرات الإيمان استعارة تخييلية، شبه رغبة المؤمن في الإيمان بشيء حلو وأثبت له لازم ذلك الشيء وأضافه إليه، وفيه تلميح إلى قصة المريض والصحيح، لأن المريض الصفراوي يجد طعم العسل مراً، والصحيح يذوق حلاوته على ما هي عليه، وكلما نقصت الصحة شيئاً نقص ذوقه بقدر ذلك فكانت هذه الاستعارة من أوضح ما يقوى استدلال المصنف على الزيادة والنقص. قال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة: إنما عبر بالحلاوة، لأن الله تعالى شبه الإيمان بالشجرة في قوله تعالى: [وضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة] فالكلمة هي كلمة الإخلاص، والشجرة أصل الإيمان وأغصانها اتباع الأمر واجتناب النهي، وورقها ما يهتم به المؤمن من الخير، وثمرها عمل الطاعات وحلاوة الثمر جني الثمرة، وغاية كماله تناهي نضج الثمرة، وبه تظهر حلاوتها [أحب إليه] .. قال البيضاوي: المراد بالحب هنا الحب العقلي الذي هو إيثار ما يقتضي العقل السليم رجحانه، وإن كان على خلاف هوى النفس كالمريض يعاف الدواء بطبعه فينفر عنه، ويميل إليه بمقتضى عقله فيهوى تناوله فإذا تأمل المرء أن الشارع لا يأمر ولا ينهى إلا بما فيه صلاح عاجل أو خلاص آجل، والعقل يقتضي رجحان جانب ذلك، تمرن على الائتمار بأمره بحيث يصير هواه تبعاً له ويلتذ بذلك التذاذاً عقلياً إذ الالتذاذ العقلي إدراك ما هو كمال وخير من حيث هو كذلك، وعبر الشارع عن هذه الحالة بالحلاوة، لأنها أظهر اللذائذ المحسوسة، قال: وإنما جعل هذه الأمور الثلاثة عنواناً لكمال الإيمان، لأن المرء إذا تأمل أن المنعم بالذات هو الله تعالى، وأن لا مانح، ولا مانع في الحقيقة سواه، وأن ما عداه وسائط. والرسول يبين له مراد ربه، اقتضى ذلك أن يتوجه بكليته نحوه، فلا يحب إلا ما يحب ولا يحب من يحب إلا من أجله، وأن يتيقن أن جملة ما وعد أوعد حق يقيناً، ويخيل إليه الموعود كالواقع فيحسب أن مجالس الذكر ر ياض الجنة، وأن العود إلى الكفر إلقاء في النار انتهى ملخصاً، وشاهد الحديث من القرآن قوله تعالى: [قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم - إلى أن قال - أحب إليكم من الله ورسوله - ثم هدد على ذلك وتوعد بقوله: فتربصوا] من سورة التوبة.
[فائدة] فيه إشارة إلى التحلي بالفضائل والتخلي عن الرذائل، فالأول من الأول والأخير من الثاني، وقال غيره: محبة الله على قسمين: فرض وندب، فالفرض المحبة التي تبعث على امتثال أوامره والانتهاء عن معاصيه والرضى بما يقدره، فمن وقع في معصية من فعل محرم أو ترك واجب فلتقصيره في محبة الله حيث قدم هوى على نفسه، والتقصير تارة يكون مع الاسترسال في المباحات والاستكثار منها فيورث الغفلة المقتضية للتوسع في الرجاء، فيقدم على المعصية أو تستمر الغفلة فيقع، وهذا الثاني يسرع إلى الإقلاع مع الندم، وإلى الثاني يشير حديث "لا يزني الزاني وهو مؤمن" والندب أن يواظب على النوافل، ويتجنب الوقوع في الشبهات: والمتصف عموماً بذلك نادر قال: وكذلك محبة الرسول على قسمين كما تقدم، ويزاد أن لا يتلقى شيئاً من المأمورات والمنهيات إلا من مشكاته، ولا يسلك إلا طريقته ويرضى بما شرعه حتى لا يجد في نفسه خرجاً مما قضاه، ويتخلق بأخلاقه في الجود والإيثار والحلم والتواضع وغيرها، فمن جاهد نفسه على ذلك وجد حلاوة الإيمان، وتتفاوت مراتب المؤمنين =

<<  <  ج: ص:  >  >>